للتخفيف عن الظالم ، كما يحدث كثيرا عند المجرمين عند حصول النقمة عليهم.
وكيف كان ، فإنّ ندم قابيل لا يفيده لما ارتكبه من الفعل الشنيع الذي لا يغفر بمجرّد الندم ، لما عرفت في بحث التوبة من عدم كفاية الندم في رفع آثار الذنب في بعض الجرائم الموبقة.
قوله تعالى : (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ).
تشديد في أمر القتل وتأكيد على حرمة إراقة الدم من غير سبب شرعيّ ، وبيان إلى أنّ قتل النفس المحترمة يستعقب الغضب الربوبيّ والسخط الإلهيّ.
ومادة (أجل) تدلّ على الجرّ ، ومنه الأجل وهو الوقت الذي يجرّ إليه الأمر المتقدّم ، والآجل نقيض العاجل ، وأجل بمعنى نعم ، لأنّه انقياد إلى ما جرّ إليه ، والإجل للقطيع من بقر الوحش ، لأنّ بعضه ينجرّ إلى بعض ، كما أنّ منه قولهم : فعلت ذلك من أجل كذا (بفتح الهمزة) ، أو من إجلاك ، وقد أحل عليهم أجلا (بفتح الهمزة وقد تكسر) ، أي : جني وجرّ عليهم ، فتطلق الأجل على الجناية لأنّها تجرّ على مرتكبها الوبال لما يخاف من أجلها.
وكيف كان ، فقد استعملت الكلمة في التعليل ، وغالب استعمالها في الرديء والشرّ ، واسم الإشارة (ذلك) إلى قصة ابني آدم ، والجرم الذي أجراه أحد الأخوين على الآخر ظلما وعدوانا ، فأوجبت تلك الجناية أن كتب الله على بني إسرائيل هذه الحقيقة الاجتماعيّة ، التي بها تستقيم الحياة الإنسانيّة ، والتي تعدّ من أهمّ الأحكام التي تنظم العلاقات بين الأفراد ، وتستقيم أمورهم الدنيويّة التي تقتضي جلب السعادة والفوز بالفلاح.
ويستفاد من الآية المباركة التشديد في هذا القضاء الإلهيّ ، لما في طباعهم من الاستهزاء بأحكام الله تعالى والتعنّت واللجاج ، وقد عرفوا بسفك الدماء وإثارة الغضب الإلهيّ ، كما حكى عزوجل أحوالهم في القرآن الكريم ، إلّا أنّها عامّة تشمل جميع الأمم ، فإنّها من التوجيهات الربوبيّة القيّمة التي تشدّد في هذا الأمر وتعطي له أهميّة خاصّة ، ويثبت للإنسان قيمته الواقعيّة من بين الموجودات.