قال : لو لا أنّ الله تعالى أوجب معاداة أعدائه كما أوجب موالاة أوليائه وضيّق على المسلمين تركها اذا دلّ العقل عليها او صحّ الخبر عنها بقوله سبحانه : لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حادّ الله ورسوله ولو كانوا آباءهم او أبناءهم او اخوانهم او عشيرتهم وبقوله تعالى : ( وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبِيِّ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ ) وبقوله سبحانه : ( لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ ) ، ولاجماع المسلمين على أنّ الله تعالى فرض عداوة أعدائه وولاية أوليائه ، وعلى انّ البغض فى الله واجب والحبّ فى الله واجب لما تعرّضنا لمعاداة أحد من النّاس فى الدّين ولا البراءة منه ولكانت عداوتنا للقوم تكلّفا ولو ظننّا أنّ الله عزّ وجلّ يعذرنا اذا قلنا : يا ربّ غاب أمرهم عنّا فلم يكن لخوضنا فى أمر قد غاب عنّا معنى لاعتمدنا على هذا القدر وواليناهم ولكنّا نخاف ان يقول سبحانه لنا : ان كان أمرهم قد غاب عن أبصاركم فلم يغب عن قلوبكم وأسماعكم قد أتتكم به الأخبار الصّحيحة الّتي بمثلها ألزمتم أنفسكم الاقرار بالنّبي ـ صلىاللهعليهوآله ـ وموالاة من صدّقه ومعاداة من عصاه وجحده وأمرتم بتدبّر القرآن وما جاء به الرّسول فهلاّ حذرتم من ان تكونوا من أهل هذه الآية غدا : ( رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا ).
فأمّا لفظة اللّعن فقد أمرنا الله تعالى بها وأوجبها ألا ترى الى قوله : ( أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ ) فهو اخبار معناه الأمر كقوله : ( وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ) وقد لعن الله تعالى العاصين بقوله : ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ ) ، وقوله : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً ) ، وقوله : ( مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً ) ، وقال الله تعالى لإبليس : ( وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ ) وقال : ( إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً ).
فأمّا قول من يقول : أىّ ثواب فى اللّعن وانّ الله تعالى لا يقول للمكلّف : لم لم تلعن بل قد يقول له : لم لعنت وانّه لو جعل مكان : لعن الله فلانا ؛ اللهمّ اغفر لى ، لكان خيرا له ، ولو أنّ انسانا عاش عمره كلّه لم يلعن ابليس لم يؤاخذ بذلك ؛ فكلام