جاهل لا يدرى ما يقول : اللّعن طاعة ويستحقّ عليها الثّواب اذا فعلت على وجهها وهو ان يلعن مستحقّ اللّعن لله وفى الله لا فى العصبيّة والهوى ألا ترى أنّ الشّرع قد ورد بها فى نفى الولد ونطق بها القرآن وهو ان يقول الزّوج فى الخامسة : أن لعنة الله عليه ان كان من الكاذبين فلو لم يكن الله تعالى يريد ان يتلفّظ عباده بهذه اللّفظة وانّه قد تعبّدهم بها لما جعلها من معالم الشّرع ولما كرّرها فى كثير من كتابه العزيز ولما قال فى حقّ القائل : وغضب الله عليه ولعنه وليس المراد من قوله : ولعنه ؛ الاّ الأمر لنا بأن نلعنه ولو لم يكن المراد بها ذلك لكان لنا ان نلعنه لأنّ الله تعالى قد لعنه أفيلعن الله تعالى انسانا ولا يكون لنا أن نلعنه ، هذا ما لا يسوغ فى العقل كما لا يجوز أن يمدح الله انسانا الاّ ولنا ان نمدحه ولا يذمّه الاّ ولنا أن نذمّه وقال تعالى : ( هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ مَنْ لَعَنَهُ اللهُ ) ، وقال : ( رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً ) ، وقال عزّ وجلّ : ( وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا ).
وكيف يقول القائل : انّ الله تعالى لا يقول للمكلّف : لم لم تلعن؟! ألا يعلم هذا القائل أنّ الله تعالى أمر بولاية أوليائه وأمر بعداوة أعدائه فكما يسأل عن التّولّى يسأل عن التّبرّى ألا ترى أنّ اليهودىّ اذا أسلم يطالب بأن يقال له تلفّظ بكلمة الشّهادتين ثمّ قل : برئت من كلّ دين يخالف دين الاسلام فلا بدّ من البراءة لانّ بها يتمّ العمل ألم يسمع هذا القائل قول الشّاعر :
تودّ عدوّى ثمّ تزعم أنّنى |
|
صديقك انّ الرّأى عنك لعازب |
فمودّة العدوّ خروج عن ولاية الولىّ واذا بطلت المودّة لم يبق الاّ البراءة لأنّه لا يجوز ان يكون الانسان فى درجة متوسّطة مع أعداء الله تعالى وعصاته بأن لا يودّهم ولا يبرأ منهم باجماع المسلمين على نفى هذه الواسطة.
وأمّا قوله : لو جعل عوض اللّعنة أستغفر الله لكان خيرا له فانّه لو استغفر من غير أن يلعن أو يعتقد وجوب اللّعن لما نفعه استغفاره ولا قبل منه لأنّه يكون عاصيا لله تعالى مخالفا أمره فى امساكه عمّن أوجب الله تعالى عليه البراءة منه واظهار البراءة ،