للعلم بتوجّه الأمر نحوه ، فإن هذا الدليل غير قائم في أثناء العبادة في كثير من الموارد إجماعاً ؛ إذ لا تتوقّف صحّتها على توجّه الذهن إليها ، فضلاً عن إيقاعها على الوجه المطلوب ، كما سنبيّنه.
وأما الثاني ، فالعارض قد يكون مخرجاً عن أهليّة الخطاب والتهيؤ له أصلاً ، كالجنون والإغماء ، على أصحّ القولين ، وهذا يمنع استدامة التكليف ، كما يمنع ابتداءه.
وقد لا يخرج عن ذلك كالنوم والسهو والنسيان مع بقاء العقل ، وهذه المعاني وإن منعت من ابتداء التكليف بالفعل ، لكن لا تمنع من استدامته ، إذا وقع على وجهه وإن استلزمت إبطاله من حيثيّة أُخرى ، كالنوم المبطل للصلاة لأمن حيث هو غفلة ونقص عن فهم الخطاب ، بل من حيث نقضه للطهارة التي هي شرط للصلاة ، ومن ثمّ لو ابتدأ الصلاة على وجهها ثمّ عرض له في أثنائها ذهول عنها بحيث أكملها وهو لا يشعر بها ، أو نسي وفعل منها أشياء على غير وجهها ، أو ترك بعضها ممّا هو ليس بركن ونحو ذلك لم تبطل الصلاة إجماعاً ، مع أنّه يصدق عليه أنّه في حالة النسيان والغفلة غير مكلّف.
وكذا القول في الصوم كما لو ذهل عن كونه صائماً في مجموع النهار مع نيّة الصوم ، بل لو أكل وشرب وجامع ذاهلاً عن الصوم وغير ذلك من المنافيات لم يبطل الصوم إجماعاً ، وهي مع مشاركتها للنوم في عدم التكليف حالتها أعظم منافاة للصوم منه (١) ، إلى آخر ما ذكره ، ومن هذا النمط لا نطيل بذكره.
أقول : ولا يخفى ما في هذا الكلام من التكلّف الظاهر ، وفيه مواضع تأمّل ونظر ، أما أوّلاً فقوله : «إنّه لا يزيل العقل» إن أراد أنّ القوة العاقلة القائمة بالنفس لا تزول ، فهو مسلّم ، ولكنه لا ينفع في شيء مما يتعلّق بفعليّة التكليف ، مع أنّه أيضاً قابل للمنع ، وتؤيّده صحيحة عبد الله بن المغيرة ، عن الرضا عليهالسلام : «إذا ذهب النوم بالعقل فليعد
__________________
(١) انتهى المنقول من المسالك ٢ : ٤٣.