تحقيق النية وكفاية الاستدامة الحكميّة فيها.
فالتحقيق : أنّ الغفلة والذهول في الأثناء أيضاً مضرّ ، ولا وجه لما ذكره من التفصيل ، وإنّما خرج مثل النوم والإغماء أيضاً إن جعلناه مثل النوم كما هو الأظهر في مثل الصوم بالدليل ، بمعنى أنّ الله تعالى يقبل مثل ذلك عن صوم اليوم ، بل هو صوم ، كما فيمن عنّ له الصيام وقت ارتفاع النهار ، لا أنّه في هذا الان مكلّف ومخاطب باستمرار الصوم واستدامته ، ولا أنّه يمكن أنّ تتحقق بعض العبادات بلا نيّة وبدون قصد الامتثال.
قوله رحمهالله : «وهذا يمنع استدامة التكليف كما يمنع ابتداءه» فيه : أنّا وإن سلّمنا ذلك في استدامته ، لكن الحكم ببطلان صوم من جنّ لحظة في أثناء اليوم ثم أفاق مع سبق النية ممنوع ، وقد عرفت ذهاب الشيخ إلى صحّته في الخلاف (١) ، وكذلك الإغماء كما مرّ.
قوله : «وقد لا يخرج عن ذلك كالنوم» فيه : أنّه أوّل الكلام ، وهل ذلك إلا محل النزاع ؛ إذ المعتبر هو قابلية التكليف بالفعل ، وهو ممنوع في النائم ، ولا فرق في الغفلة حال النوم بينه وبين المغمى عليه ، والقول بأنّه غير مضرّ من جهة النصّ والإجماع معنى آخر ، وليس مراده رحمهالله جزماً ، فهذا عدول منه عن أوّل كلامه ، والتحقيق ما مرّ من الاعتماد على النصّ والإجماع وصدق الصائم عليه مضافاً إلى الأصل.
قوله رحمهالله : «وإن استلزمت إبطاله من حيثيّة أُخرى» فيه : أنّ قولك بأنّ النائم قابل للتكليف في الصلاة واتّصاف صلاته بالصحّة ، ولكن النصّ دلّ على أنّ النوم من نواقض الطهارة ، والصلاة مشروطة بها ، فبطلت من هذه الجهة ، ليس بأحرى من قولنا الصائم النائم غير مكلّف في حال النوم ، وغير قابل لمخاطبته باستمرار الصوم ، ولكن
__________________
(١) الخلاف ٢ : ١٩٨ مسألة ٥١.