السابقة من أنّه أقوى من الظنّ الحاصل من البينة ، فكان العمل به أولى ، مضافاً إلى أصالة عدم الثبوت ، وأصالة حرمة العمل بالظنّ.
وقد نوقش فيه : بأنّ الأولوية إنّما تصير حجّة لو ثبت أنّ علّة حجيّة البيّنة إنّما هي حصول الظنّ ، بل إنّما هي تعبّد محض ، مع أنّه لو سلّم ذلك فلا دليل على اعتبار المتاخمة للعلم ، بل يكفي كونه أقوى ، مع أنّه يلزم منه جواز العمل بقول فاسقين أو فاسق أو غيرهما إذا أفاد ظنا أقوى من العدلين ، وهو باطل اتفاقاً.
ويمكن دفعه : بأنّ الاتّفاق ونحوه مخصص له.
ويشعر باعتبار المتاخمة ما نفى اعتبار الخمسين في آخر صحيحة محمّد بن مسلم الاتية (١) ، ومثلها رواية أبي العباس (٢).
قال المحقق الأردبيلي رحمهالله (٣) : إنّ صحيحة العيص أنّه سأل أبا عبد الله عليهالسلام عن الهلال إذا رآه القوم جميعاً فاتفقوا أنه لليلتين ، أيجوز ذلك؟ قال : «نعم» (٤) يشعر باعتبار الظنّ المتاخم للعلم ، ومال إليه ووجّهه بأنّه دلّ ثبوت دخول الشهر من غير اشتراط العدالة في القوم وحصول العلم بخبرهم ، بل اكتفى برؤية القوم وقال : إنّ ظاهر نسبة الرؤية إلى القوم في العرف هو حصول الظنّ المتاخم للعلم ، وقال : إنّه ليس المراد تجويز كونه لليلتين ، بل المراد أنّه يجوز الاعتماد عليه في دخول الشهر.
إذا عرفت هذا فنرجع إلى الكلام في مسألة رؤية الهلال ، ونقول : إن بنينا على أصالة حرمة الاكتفاء بالظنّ فيمكن الخروج عنه في رؤية الهلال بمقتضى الإجماع المنقول في المعتبر والتحرير ، فإنّهما ادّعياه على مطلق لفظ الشياع الأعمّ من القطعي
__________________
(١) التهذيب ٤ : ١٥٦ ح ٤٣٣ ، الاستبصار ٢ : ٦٣ ح ٢٠٣ ، الوسائل ٧ : ٢٠٩ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١١ ح ١١.
(٢) الفقيه ٢ : ٧٧ ح ٣٣٦ ، التهذيب ٤ : ١٥٦ ح ٤٣١ ، الاستبصار ٢ : ٦٣ ح ٢٠١ ، الوسائل ٧ : ٢١٠ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١١ ح ١٢.
(٣) مجمع الفائدة والبرهان ٥ : ٢٨٧.
(٤) الفقيه ٢ : ٧٨ ح ٣٤٧ ، التهذيب ٤ : ١٥٧ ح ٤٣٧ ، الوسائل ٧ : ٢١٢ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١٢ ح ٥.