الثاني دون الأوّل ، وذلك لا ينافي كونه مثاباً في الان الأوّل أيضاً.
هذا مع ملاحظة تفاوت علامات التكليف في التقدّم والتأخّر ، فمن كانت علامة بلوغه السنّ ؛ لعدم سبق الإنبات أو الاحتلام ، كيف يقال : إنّه ليس في أواخر السنة الخامسة عشر مستعدّاً للأوامر والخطاب ، وهذا الشخص بعينه لو فرض أنّه مع هذه المرتبة من الفهم لو احتلم أو أنبت قبل ذلك بسنين كان قابلاً للتكليف ومستعدّاً للخطاب؟!
فإن قلت : المفروض في هذا الاستدلال قطع النظر عن الأوامر والتمسك بلزوم الظلم ، والثواب لا يتحقّق إلا بالأمر.
قلت : لا ينحصر الأمر في الأمر النفس الأمري ، بل الظن به أيضاً في حكمه ، كما هو كذلك في المجتهد ؛ يذعن بأنّ الأمر الفلاني مطلوب منه ويفعله رجاءً للثواب ، فكذلك الطفل بمحض تعليم الولي نيّة العبادة يذعن بأنّ هذا مطلوب الشارع ، ويفعله رجاءً للثواب ، هذا.
مع أنّا لا نمنع من حصول الثواب بمقدّمة الواجب ، وإن قلنا إنّ وجوبها تبعيّ ، وإن لم نقل بلزوم العقاب على تركه كما نقل عن الغزالي (١) ، ولا ريب أنّ ذلك مقدّمة لطاعته بعد البلوغ ، ودلّ عليه الشارع ، وأمر به بسبب تسبيبه لفعله من جهة الأمر بالوليّ بخطاب تبعي.
وإن أبيت عن ذلك وصعب عليك فهمه كفاك سائر الأدلّة ، منها ما مرّ.
ومنها : ما يقتضيه تتبّع الأخبار في باب صحّة أذان الصبيّ المميّز (٢) ، وجواز إمامته (٣) ، وانعقاد الجماعة بصلاته إذا ائتمّ (٤) ، وإجزاء حجّه إذا كمل قبل المشعر
__________________
(١) المستصفى ١ : ٨٤.
(٢) الوسائل ٤ : ٦٦١ أبواب الأذان والإقامة ب ٣٢.
(٣) الوسائل ٥ : ٣٩٧ أبواب صلاة الجماعة ب ١٤.
(٤) الوسائل ٥ : ٤١١ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٣.