على غير التوكيد ، فيكون قولا مصدرا مبينا محذوف الصفة ، كأنّه قال : إذا قال قولا ما أيّ الأقوال كان حقيقة أو مجازا أنبط الماء في الثرى ، ولا يكون من باب التوكيد لدفع المجاز ، لضعف المعنى. ألا ترى أنّ المراد : إن قوله وإشارته وجميع ما يرد منه يقوم مقام القول الذي ينبط الماء في الثرى ، لا أنّ الذي ينبط الماء إنما هو قوله الحقيقي.
والتوكيد الذي يراد به إزالة الشكّ عن المحدّث عنه التأكيد بالألفاظ التي وضعتها العرب لذلك وهي للواحد المذكر : نفسه ، عينه ، كلّه ، أجمع ، أكتع. وزاد أهل الكوفة : أبصع ، وأهل بغداد أبتع. وللاثنين : أنفسهما ، أعينهما ، كلاهما خاصة ، وأجاز أهل الكوفة وبغداد تثنية ما بقي قياسا.
وللجماعة من المذكّرين : أنفسهم ، أعينهم ، كلّهم ، أجمعون ، أكتعون. ومن زاد : أبتع وأبصع ، في حالة الإفراد أجازهما في حال الجمع.
وللواحدة المؤنثة : نفسها ، عينها ، كلّها ، جمعاء ، بصعاء ، بتعاء عند من يقول في المذكّر : أبتع وأبصع.
وجماعة ما لا يعقل تعامل تارة معاملة جماعة المؤنث ، وتارة معاملة الواحدة المؤنثة ، فتقول : «انكسرت الجذوع كلّهنّ وكلّها» ، وللاثنين : أنفسهما أعينهما كلتاهما خاصّة.
وأهل الكوفة وبغداد يثنّون ما بقي من الألفاظ قياسا. والصحيح أنّه لا يجوز ذلك لا في المذكر ولا في المؤنث لاستغناء العرب عنه بكلا وكلتا ، كما تقول : «زيد كعمرو» ، ولا يجوز : «زيد كه» ، لاستغناء العرب بمثله ولا يجوز أيضا في : «سرت حتّى الصباح» : «حتّاه» ، لاستغنائهم عنه بـ «إليه». ويجيزون أيضا : «كلاهما» في المؤنّثتين ويستدلون على ذلك أيضا
______________________
ـ منصوب بالفتحة. أنبط : فعل ماض مبني على الفتح ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). الماء : مفعول به منصوب بالفتحة. في الثرى : جار ومجرور متعلّقان بـ (أنبط).
وجملة «أقول صادقا» : ابتدائيّة لا محلّ لها. وجملة «إذا قال .. أنبط» : لا محلّ لها (صلة الموصول).
وجملة «قال» : في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة «أنبط» : لا محلّ لها (جواب شرط غير جازم).
والشاهد فيه قوله : «إذا قال قولا أنبط الماء» حيث أكّد (قال) بـ (قولا) رغم عدم إرادة القول ، فهو أراد العمل لا القول.