فـ «حاتم» بدل من الضمير في «وجوده» ، فكما جاز ذلك ثمّ يجوز هنا ، لأن ضمير الغائب أيضا لا يدخله لبس ، ولهذا منعوا من نعته ، فلو كان القصد بالبدل إزالة اللبس لامتنع من ضمير الغيبة كما امتنع نعته ، فإذا ثبت جوازه حيث لا لبس لم ينكر مجيئه في ضمير المتكلم والمخاطب.
وهذا فاسد ، لأنّ نعت ضمير الغيبة لم يمتنع من حيث لم يدخله لبس بل امتنع من حيث ناب مناب ما لا ينعت وهو الظاهر المعاد ، ألا ترى أنّ قولك : «لقيت رجلا فضربته» ، الهاء نائبة مناب قولك : «فضربت الرجل» ، وأنت لو قلت : «فضربت الرجل العاقل» ، لم يجز ، فكذلك لم ينعت ما ناب منابه ، وقد تقدم في باب النعت. وإنما الذي امتنع نعته من المضمرات لأنّه لا يدخله لبس ضمير المتكلم أو المخاطب ، فإذن تبيّن أنّ ضمير الغيبة قد يدخله اللبس ويكون في ذلك على حسب ما يعود عليه ، فإن عاد على ملبس كان مثله وإن عاد على غير ملبس كان مثله. وإذا امتنع نعته لما ذكرنا جاز الإبدال منه ، إذ لا مانع منه. وتبيّن أنّ ضمير المتكلم والمخاطب يمتنع الإبدال منهما كما يمتنع نعتهما.
وأما السماع فقوله تعالى : (كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) (١) ، فـ «الذين» عنده بدل من الضمير المنصوب في
______________________
ـ يقول : لو كان حاتم بين القوم في تلك الساعة لامتنع عن عطاء الماء لشدّة حاجته إليه.
الإعراب : على حالة : جار ومجرور متعلّقان بمحذوف حال من فاعل «آثرته» في بيت سابق. لو : حرف امتناع لامتناع. أنّ : حرف مشبّه بالفعل. في القوم : جار ومجرور متعلّقان بخبر مقدّم محذوف. حاتما : اسم «أن» منصوب. على جوده : جار ومجرور متعلّقان بمحذوف حال ، وهو مضاف. والهاء : ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. لضنّ : اللام : واقعة في جواب «لو» ، ضنّ : فعل ماض. بالماء : جار ومجرور متعلّقان بـ «ضنّ». حاتم : فاعل مرفوع.
والمصدر المؤول من «أنّ» وما بعدها في محلّ رفع فاعل لفعل محذوف تقديره : «لو ثبت كون حاتم موجودا». وجملة «ضنّ بالماء حاتم» الفعليّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها جواب شرط غير جازم.
والشاهد فيه قوله : «على جوده لضنّ بالماء حاتم» حيث يرى الأخفش جواز مجيء «حاتم» بدلا من الضمير في «جوده» بدل شيء من شيء.
(١) الأنعام : ١٢.