فمنهم من جعلها مما يتعدّى إلى اثنين كـ «ظننت» ، وحجته أنّ «سمعت» لما دخلت على ما لا يسمع أتيت لها بمفعول ثان يعطي معنى المسموع ، كما أن «ظننت» لما دخلت على «زيد» ، وهو غير مظنون في المعنى ، أتيت بعد ذلك بمفعول ثان يعطي معنى المظنون ، فقلت : «ظننت زيدا منطلقا».
على هذا يكون «يتكلّم» من قولك : «سمعت زيدا يتكلّم» في موضع مفعول ثان لـ «سمعت». ومنهم من جعلها متعدية إلى مفعول واحد ، فإذا قلت : «سمعت زيدا يتكلّم» ، فإنّ «زيدا» مفعول لـ «سمعت» ، على تقدير حذف مضاف ، كأنّك قلت : «سمعت صوت زيد يتكلّم» ، ويكون في موضع الحال ، أي : سمعت صوت زيد في حال أنّ زيدا يتكلّم ، وتكون هذه الحال مبينة ، لأنّه قد سمع صوته في حال أنّه يصيح أو يقرأ أو غير ذلك ، ويكون حذف المضاف لفهم المعنى إذ معلوم أن زيدا في نفسه لا يسمع ، فيكون نحو قوله تعالى : (هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ) (١). ألا ترى أنّ المعنى ، هل يسمعون دعاءكم؟ فحذف الدعاء لدلالة قوله : «إذ تدعون» عليه. وهذا المذهب أولى ، لأنّ «سمع» من أفعال الحواس ، وهي كلّها متعدّية إلى مفعول واحد ، تقول : «ذقت طعامك» ، و «شممت طيبا» ، و «لمست حريرا» ، و «أبصرت زيدا» ، فينبغي أن تكون «سمعت» مثلها.
وأيضا فإنّها لو كانت مما يتعدّى إلى مفعولين ، لم تخل أن تكون من باب «أعطيت» ، أو من باب «ظننت» ، فباطل أن تكون من باب «أعطيت» لأنّ «يتكلم» فعل والفعل لا يكون في موضع المفعول الثاني من باب «أعطيت» وأمثاله.
وباطل أن يكون من باب «ظننت» ، لأنّ «ظننت» وأخواتها يجوز إلغاؤها ولا يجوز إلغاء «سمعت» ، وأيضا تقول : «سمعت زيدا» ، ولا يجوز ذلك في باب «ظننت» ، فثبت أنّها مما يتعدّى إلى واحد ، فأمّا قوله [من الوافر] :
١٩٩ ـ سمعت الناس ينتجعون غيثا |
|
فقلت لصيدح انتجعي بلالا |
______________________
(١) الشعراء : ٧٢.
١٩٩ ـ التخريج : البيت لذي الرّمة في ديوانه ص ١٥٣٥ ؛ وجمهرة اللغة ص ٥٠٣ ؛ وخزانة الأدب ٩ / ١٦٧ ، ١٦٨ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ١ / ٢٣٢ ؛ وشرح التصريح ٢ / ٢٨٢ ؛ ولسان العرب ٢ / ٥٠٩ (صدح) ، ٨ / ٣٤٧ (نجع) ؛ والمقتضب ٤ / ١٠ ؛ ونوادر أبي زيد ص ٣٢ ؛ وبلا نسبة في أسرار العربية ص ٣٩٠ ؛ وخزانة الأدب ٩ / ٢٦٨ ، ٣٩٣.