فإن كان من باب ما يتعدّى إلى أكثر من واحد ، لم يجز إدخال اللام على مفعوله ، تقدّم أو تأخّر ، وسبب ذلك عندي أنّك لو أدخلت اللام على مفعوله لم يخل أن تدخلها في المفعولين أو أحدهما ، وكذلك فيما تعدّى إلى ثلاثة. فإن أدخلتها في المفعولين لم يكن لذلك نظير ، لأنّه لم يوجد فعل يتعدى إلى مفعولين بحرف جر واحد.
وإن أدخلتها على أحدهما وتركت الآخر ، صار كأنّه قويّ ضعيف في حين واحد : قويّ من حيث قوي في حق الأول ، ضعيف من حيث لم يقو في حقّ الآخر ، وذلك تناقض. لكنه يجوز في باب «علمت» أن يدخل على المفعول الأول الباء بمعنى «في» ، وتصيّره كأنه ظرف للفعل ، وتستغني به عن المفعولين ، ولا يجوز الجمع بينه وبين المفعولين أصلا ، فتقول :
«ظننت بزيد» و «علمت ببكر» ، أي : جعلته موضع علمي وزيدا موضع ظنّي ، ومنه قوله [من الطويل] :
٢١١ ـ فقلت لهم ظنّوا بألفي مدجّج |
|
سراتهم بالفارسيّ المسرّد |
يريد : ظنّوا في ألفي مدجج ، أي : اجعلوهم موضع ظنّكم.
______________________
٢١١ ـ التخريج : البيت لدريد بن الصمة في ديوانه ص ٤٧ ؛ ولسان العرب ١٣ / ٢٧٢ (ظنن) ؛ وبلا نسبة في أسرار العربية ص ١٥٦ ؛ وشرح المفصل ٧ / ٨١ ؛ والمحتسب ٢ / ٣٤٢ ؛ ومجالس ثعلب ص ١٩٩.
اللغة : المدجّج : المسلّح كثيرا ، والقنفذ. سراة القوم : سادتهم. المسرّد : الدرع المحكم النسج.
المعنى : اجعلوا هؤلاء الفرسان المسلّحين ، والذين يرتدي سادتهم وقادتهم الدروع الفارسية المحكمة النسج ، موضع ظنّكم.
الإعراب : فقلت : «الفاء» : استئنافية ، «قلت» : فعل ماض مبني على السكون ، و «التاء» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. لهم : جار ومجرور متعلّقان بـ (قلت). ظنوا : فعل أمر مبني على حذف النون لاتصاله بواو الجماعة ، و «الواو» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. بألفي : جار ومجرور متعلّقان بـ (ظنوا) ، (علامة الجرّ الياء لأنه مثنّى). مدجّج : مضاف إليه مجرور بالكسرة. سراتهم : مبتدأ مرفوع بالضمّة ، و «هم» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. بالفارسي : جار ومجرور متعلّقان بخبر (سراة) المحذوف ، بتقدير : (متدرعون). المسرّد : صفة (الفارسي) مجرورة بالكسرة.
وجملة «فقلت» : استئنافية لا محلّ لها. وجملة «ظنوا» : في محلّ نصب مفعول به (مقول القول). وجملة «سراتهم متدرّعون» : في محلّ جرّ صفة.
والشاهد فيه قوله : «ظنّوا بألفي» حيث دخل حرف الجر على المفعول به الأول لـ (ظنّ) فسدّ الجار والمجرور مسدّ مفعولي (ظنّ).