«زيد ظننت قائم» ، أو تأخّرت ، نحو : «زيد قائم ظننت» ، إلّا أنّ الإلغاء أحسن مع التأخير والإعمال أحسن مع التوسّط ، فإذا تقدمت لا يجوز إلا الإعمال ، نحو : «ظننت زيدا قائما» ، خلافا لأهل الكوفة في ذلك ، فإنّهم يجيزون الإلغاء مع التقديم وإن كان الإعمال عندهم أحسن ، ويستدلّون على ذلك بقوله [من البسيط] :
٢١٦ ـ كذاك أدّبت حتّى صار من خلقي |
|
أنّي وجدت ملاك الشّيمة الأدب |
برفع مفعولي «وجدت» ، وذلك لا حجة فيه ، لأنّ «وجدت» متوسّط بين اسم «أنّ» وخبرها ، وهي الجملة من قولك : «ملاك الشيمة الأدب» ، ولم يغن بالتوسّط إلّا أن تجيء
______________________
٢١٦ ـ التخريج : البيت لبعض الفزاريين في خزانة الأدب ٩ / ١٣٩ ، ١٤٣ ، ١٠ / ٣٣٥ ؛ والدرر ٢ / ٢٥٧ ؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٣ / ١٣٣ ؛ وتخليص الشواهد ص ٤٤٩ ؛ وشرح الأشموني ١ / ١٦٠ ؛ وشرح التصريح ١ / ٢٥٨ ؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١١٤٦ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٢٤٩ ؛ وشرح ابن عقيل ص ٢٢١ ؛ والمقاصد النحوية ٢ / ٤١١ ، ٣ / ٨٩ ؛ والمقرب ١ / ١١٧ ؛ وهمع الهوامع ١ / ١٥٣.
شرح المفردات : أدّب : هذّب. الملاك : الأمر الذي يملك. الشيمة : الخصلة الحميدة ، الخلق.
المعنى : يقول : على هذا المنوال نشأت وتعلّمت حتى صارت مكارم الأخلاق من شيمتي ، والأدب منهج سلوكي.
الإعراب : «كذاك» : الكاف اسم بمعنى «مثل» مفعول مطلق نائب عن المصدر ، وهو مضاف ، «ذاك» : اسم إشارة في محلّ جرّ بالإضافة ، أو الكاف حرف جرّ ، «ذاك» اسم إشارة في محل جرّ بحرف الجر والجار والمجرور متعلّقان بمحذوف نعت للمفعول المطلق. «أدبت» : فعل ماض للمجهول ، والتاء في محلّ رفع نائب فاعل. «حتى» : حرف غاية وجر. «صار» : فعل ماض ناقص. والمصدر المؤول من «أن» وما بعدها في محل جر بحرف الجر «حتى» ، والجار والمجرور متعلقان بالفعل «أدبت». «من خلقي» : جار ومجرور متعلّقان بمحذوف خبر «صار» ، وهو مضاف ، والياء ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. «أنّي» : حرف مشبّه بالفعل ، والياء في محلّ نصب اسم «أنّ» «وجدت» : فعل ماض ، والتاء ضمير في محلّ رفع فاعل. «ملاك» : مبتدأ مرفوع ، وهو مضاف. «الشيمة» : مضاف إليه مجرور. «الأدب» : خبر المبتدأ مرفوع. والمصدر المؤول من «أنّ» وما بعدها في محل رفع اسم «صار».
وجملة المبتدأ والخبر سدّت مسدّ مفعولي «وجدت» : وجملة «أدبت» ابتدائيّة لا محل لها من الإعراب. وجملة «صار» صلة الموصول الحرفي لا محل لها من الإعراب.
الشاهد : قوله «وجدت ملاك الشيمة الأدب» حيث ألغى عمل «وجدت» مع تقدّمه ، ولو أعمله لقال : «وجدت ملاك الشيمة الأدبا» بنصب «ملاك» و «الأدبا» على أنهما مفعولان لـ «وجدت». وخرّجه البصريون على ثلاثة أوجه : الأول أنّه من باب التعليق ، ولام الابتداء مقدّرة الدخول على «ملاك». والثاني أنّه من باب الإعمال ، والمفعول الأوّل ضمير شأن محذوف ، وجملة المبتدأ وخبره في محلّ نصب مفعول ثان. والثالث أنّه من باب الإلغاء ، ولكن سبب الإلغاء أنّ الفعل لم يكن في أوّل الكلام ، بل قد سبقه قول الشاعر «أنّي».