وسط كلام لا صدره ، وإن كان توسّطها بين مفعولين أقوى من إلغائها.
وقد أجاز البصريون : متى تظنّ زيد منطلق؟ برفع المفعولين لكون تظنّ لم تجيء صدر الكلام ، وأيضا فإنّه يمكن أن تكون هذه الجملة التي هي : ملاك الشيمة الأدب ، في موضع المفعول الثاني لوجدت ، ويكون مفعول وجدت الأول ضمير الأمر والشأن محذوفا تقديره : وجدته ملاك الشيمة الأدب ، أي : وجدت الأمر هكذا.
وإنما ألغيت هذه الأفعال ولم تلغ «أعطيت» و «كسوت» ، وما كان نحوهما ، لأنّ بابها أن لا تعمل لكونها في الأصل داخلة على المبتدأ والخبر ، وكلّ عامل داخل في الجملة ينبغي أن لا يعمل فيها نحو قولك : «قال زيد عمرو منطلق» ، و «قرأت (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ») ، لكنّها شبّهت بـ «أعطيت» وبابها في أنّها أفعال كما أنّها أفعال ، وتطلب اسمين كطلبها فتنصبهما كذلك.
فإن قيل : فهلّا نصبت «قرأت وقال» المبتدأ والخبر تشبيها بـ «أعطيت» كما فعلت ذلك بـ «ظننت» وأخواتها؟ فالجواب : إنّ «ظننت» وأخواتها لا يليها إلّا اسمان أو ما هو بمنزلتهما ، كما أن «أعطيت» وبابه لا يطلب إلّا اسمين ، و «قرأت» و «قال» قد يقع بعدهما الجمل الفعلية ، نحو : «قال زيد : قام عمرو» ، و «قرأت : اقتربت الساعة». فلما كانت ظننت وأخواتها أشبه بـ «أعطيت» من «قلت» و «قرأت» وأمثالهما لذلك نصبت المبتدأ والخبر حملا عليها ، فإذا ثبت أنّ الأصل فيها أن لا تعمل تبيّن لم انفردت بالألغاء ، لأنّ في ذلك رجوعا إلى الأصل.
فإن قيل : فلأيّ شيء لم تلغ إلّا متوسّطة أو متأخرة؟ فالجواب : إنّها إذا كانت في أول الكلام كان ما بعدها مبنيا عليها ، وإن لم تكن أول الكلام فإنك إن أعلمتها قدّرت أيضا أنّ الكلام مبنيّ عليها ، وإذا ألغيتها قدّرت أنّ الكلام مبنيّ على أن لا يكون فيه فعل من هذه الأفعال ، ثم عرض لك بعد ذلك أن أردت أن تذكر هذه الأفعال لتجعل ذاك الكلام فيما تعلم أو فيما تظنّ أو فيما تزعم ، فكأنك إذا قلت : «زيد منطلق ظننت أو علمت أو زعمت» ، أردت أن تقول أوّلا «زيد منطلق» ، ثم أردت بعد ذلك أن تبيّن أنّ ما ذكرته من قولك : «زيد منطلق» معلوم عندك أو مظنون أو مزعوم ، فكأنّك قلت عقيب قولك : «زيد منطلق» ، فيما أظن ، أو فيما أزعم ، أو فيما أعلم.