والتعظيم ، نحو : «ريّان» ، و «رجل جمّاني» للعظيم الجمّة (١) و «رقباني» عظيم الرقبة. ثم قالوا : «عطشان» ، فزادوا الألف والنون فيه وإن لم يكن بابه ذلك ، حملا على نقيضه وهو «ريّان». ومنها أنّ نظيرها «عبرت» ، وهي غير متعدّية فكذلك «دخلت» ، لأنّ النظير أيضا كثيرا ما يجري مجرى نظيره.
ومنها أنّ مصدر «دخلت» الدخول ، والفعول في الغالب مصدر ما لا يتعدّى ، نحو : «القعود» و «الجلوس» ، ولا يجيء في المتعدّي إلّا قليلا ، نحو : «اللزوم» ، و «النهوك» ، والحمل على الأكثر أولى.
ومما يدلّ دلالة قطعية على فساد مذهبه أنّ «دخلت» تطلب اسم المكان بعد طلب الظرف ، ألا ترى أنّ الفرق بين الظرف وبين المفعول به أنّ المفعول به محل للفعل خاصة ، نحو : «ضربت زيدا» ، فـ «زيدا» محلّ للضرب ، والظرف محلّ للفعل والفاعل ، نحو : «قمت خلفك» ، فـ «الخلف» محلّ للقائم وقيامه ، فكذلك «دخلت» يتعدّى إلى ما بعده على أنّه ظرف ، لأنّك إذا دخلت البيت فالبيت محلّ للدخول والداخل ، وكذلك أيضا يدل على بطلان مذهبه أنّهم يقولون : «دخلت في الأمر» ، ولا يوصل إلى الأمر وأشباهه من المعاني إلّا بـ «في» ، فلو كانت «دخلت» متعدّية بنفسها لما عدّوها إلى الأمر بـ «في» ، فدلّ ذلك على أنّها غير متعدّية بنفسها.
فإن قيل : فلأيّ شيء لم يقولوا : «دخلت الأمر» ، كما قالوا : «دخلت الدار»؟ فالجواب : إنّ قولك : «دخلت في الأمر» ، مجاز من جهة المعنى ، لأنّ الدخول حقيقة إنّما يتصوّر في الأجسام وحذف حرف الجرّ مجاز ، فكرهوا التجوّز بعد التجوّز.
وما عدا «دخلت» مع كلّ ظرف مكان مختص ، و «ذهبت» مع الشام لا يصل إلّا بواسطة ، ولا يصل بنفسه أصلا إلّا في ضرورة شعر ، نحو قوله [من الخفيف] :
٢١٨ ـ قلن عسفان ثمّ رحن سراعا |
|
يتطلّعن من نقاب الثّغور |
______________________
(١) الجمّة : مجتمع شعر الرأس أو ما سقط منه على المنكبين.
٢١٨ ـ التخريج : لم أقع عليه فيما عدت إليه من مصادر.
اللغة : قلن : نمن في القائلة (وقت الظهر واشتداد الحرّ). عسفان : موضع. النقاب : جمع النّقب وهو الثقب.
المعنى : نمن وقت اشتداد الحرّ في عسفان ، ثم مضين مسرعات ناظرات من فتحات في ستورهن. ـ