ومثال مجيئها في حكم المنتقلة قولك : «ولد زيد أزرق» ، ألا ترى أنّ «الزرق» غير منتقل ، إلّا أنّه في هذا الموضع يشبه المنتقل ، لأنّه قد كان يجوز أن يولد أزرق وغير ذلك. ولو قلت : «جاء زيد أزرق» ، لم يجز ، لأنّ زيدا أبدا استقرّ له الزرق قبل مجيئه ، فمحال أن يجيء إلّا وهو أزرق ، وإنّما يجوز ورود «أزرق» وأمثاله أحوالا بعد «ولد» أو ما في معناه.
ومن كلام العرب : «خلق الله الزرافة يديها أطول من رجليها» ، فـ «أطول» حال وإن كان صفة غير منتقلة لمجيئه بعد «خلق» ، ومثل ذلك قول الشاعر [من الطويل] :
٢٢٥ ـ فجاءت به سبط العظام كأنّما |
|
عمامته بين الرجال لواء |
ألا ترى أنّ معنى «سبط العظام» : طويل ، لكنّه ساغ ذلك لأن معنى «جاءت به» : ولدته كذلك.
ومن الناس من زعم أنّ الحال لا يشترط فيها الانتقال ، واستدلّ على ذلك بمجيء : «دعوت الله سميعا» ، ألا ترى أنّ «سميعا» من صفات الله تعالى. فهي لازمة لا تنتقل وكذلك : (هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً) (١). لأن التصديق للحق لازم. وهذا فاسد ، أما التصديق فغير لازم للحق ، لأنّ الحقّ قد يؤتى به لأنّه حقّ في نفسه لا لأن يصدّق به حق آخر ، وقد يؤتى به لأن يصدّق به حقّ آخر كالمعجزات ، فالتصديق إذن غير لازم للحقّ.
______________________
٢٢٥ ـ التخريج : البيت لبعض بني العنبر في خزانة الأدب ٩ / ٤٨٨ ؛ ولرجل من بني الجناب في المقاصد النحويّة ٣ / ٢١١ ؛ وبلا نسبة في أمالي المرتضى ١ / ٥٧١ ؛ وشرح الأشموني ١ / ٢٤٣ ؛ ولسان العرب ٧ / ٣٠٩ (سبط).
اللغة : سبط العظام : أي حسن الخلق والقامة.
المعنى : يقول : إنّه سويّ الخلق ، طويل القامة.
الإعراب : «فجاءت» : الفاء بحسب ما قبلها ، «جاءت» : فعل ماض ، والتاء للتأنيث ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : «هي». «به» : جار ومجرور متعلّقان بـ «جاء». «سبط» : حال منصوب ، وهو مضاف. «العظام» : مضاف إليه مجرور. «كأنّما» : حرف مشبّه بالفعل بطل عمله لدخول «ما» الكافة عليه. «عمامته» : مبتدأ مرفوع بالضمّة ، وهو مضاف ، والهاء ضمير متّصل مبنيّ في محلّ جرّ بالإضافة. «بين» : ظرف مكان منصوب على أنّه مفعول فيه ، وهو مضاف. «الرجال» : مضاف إليه مجرور. «لواء» : خبر المبتدأ مرفوع.
وجملة : «جاءت» بحسب ما قبلها. وجملة : «كأنما عمامته لواء» في محل نصب حال.
الشاهد فيه قوله : «سبط العظام» حيث ورد الحال وصفا ملازما غير منتقل على خلاف الغالب فيه.
(١) فاطر : ٣١.