وأما «دعوت الله سميعا» ، فـ «سميعا» فيه بمعنى : مجيبا ، لأنّ سمع قد يكون بمعنى أجاب ، ومنه : «سمع الله لمن حمده» ، أي : استجاب الله. فمعنى «دعوت الله سميعا» : دعوته مجيبا ، أي : مقدرا لأن يجيبني ، لأنّ الحال قد يكون بالمستقبل ، فيكون تقديره نحو قولك : «مررت برجل معه صقر صائدا به غدا» ، ألا ترى أنّ «صائدا» في معنى المستقبل.
فلا يتصوّر مجيئه حالا إلا على هذا التقدير ، كأنّك قلت : «معه صقر مقدّرا الآن الصيد به غدا».
ومثال مجيئها بعد تمام الكلام دونها : «جاء زيد راكبا» ، ألا ترى أنّك لو أسقطت «راكبا» من هذا الكلام ، فقلت : «جاء زيد» ، لبقي تامّا.
ومثال مجيئها في حكم ما هو بعد تمام الكلام : «ضربي زيدا قاعدا» ، وبابه ، أعني المصدر المبتدأ السادّ مسدّ خبره الحال.
وهذه الحال وإن كانت لازمة لا يجوز حذفها ، فالأصل فيها أن تكون غير لازمة قبل قيامها مقام الخبر ، ألا ترى أنّ الأصل : ضربي زيدا إذا كان قائما. أي إذا وجد على هذه الحال ، فحذف الخبر وأقيم الحال مقامه والخبر لازم ، فلزمت الحال لقيامها مقام الخبر اللازم.
ومن الناس من جعل الحال لازمة في قوله [من الخفيف] :
٢٢٦ ـ إنّما الميت من يعيش كئيبا |
|
[كاسفا باله قليل الرجاء] |
______________________
٢٢٦ ـ التخريج : البيت لعدي بن الرعلاء في تاج العروس ٥ / ١٠١ (موت) ؛ ولسان العرب ٢ / ٩١ (موت) ؛ والأصمعيّات ص ١٥٢ ؛ وخزانة الأدب ٩ / ٥٨٣ ؛ وسمط اللآلى ص ٨ ، ٦٠٣ ؛ وبلا نسبة في تهذيب اللغة ١٤ / ٣٤٣ ؛ وتاج العروس (حيي) ؛ والتنبيه والإيضاح ١ / ١٧٣.
اللغة : شرح المفردات : الميت : الذي فارق الحياة. الميّت : الذي يحتضر. وذهب بعضهم إلى أنّ اللفظتين بمعنى واجد. الكئيب : الحزين. الكاسف البال : المتغيّر الحال. الرجاء : الأمل.
المعنى : يقول ليس الميت من فارق الحياة واستراح من شقائها ، بل الميت هو الذي يعيش في هذه الحياة فاقد الأمل ، ملحّفا باليأس والشقاء.
الإعراب : إنّما : حرف مشبّه بالفعل بطل عمله لاتصاله بـ «ما» الزائدة. الميت : مبتدأ مرفوع بالضمّة الظاهرة. من : اسم موصول مبنيّ في محلّ رفع خبر المبتدأ. يعيش : فعل مضارع مرفوع بالضمّة الظاهرة ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره «هو». كئيبا : حال من الضمير المستتر الذي هو فاعل «يعيش» منصوبة بالفتحة. كاسفا : حال ثانية من الضمير ذاته. باله : فاعل «كاسفا» : مرفوع بالضمّة الظاهرة ، وهو مضاف ، ـ