واستدلّ على ذلك بأنّك لو قلت : «إنّما الميت من يعيش» ، كان خلفا ، لكن أخذ التمام فيها بالنظر إلى اللفظ لا إلى المعنى.
وهذا الذي ذهب إليه باطل ، بل لو أسقطت الحال ، لكان هذا الكلام تامّا على معنى ما ، ألا ترى أنّك لو قلت : «هذا زمان إنّما الميت فيه يعيش» ، تشير بذلك إلى فساده ، كان كلاما مستقلّا.
ومثال مجيئها بعد معرفة : «أقبل عبد الله باكيا» ، فعبد الله معرفة. والذي يقارب المعرفة النكرة الموصوفة «وأفعل من».
أما النكرة الموصوفة فوجه قربها من المعرفة اختصاصها بالصفة وأمّا «أفعل من» فوجه قربها من المعرفة اختصاصها ، ولذلك لم تقبل الألف واللام ، ومن ذلك قوله تعالى : (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ* أَمْراً مِنْ عِنْدِنا) (١).
ولا تجيء الحال من نكرة غير مقاربة للمعرفة وهي متأخّرة عنها إلّا حيث سمع ، ولا يقاس على شيء من ذلك ، والذي سمع من ذلك : «وقع أمر فجأة» ، و «مررت بماء قعدة رجل» (٢).
فإن تقدّمت الحال على صاحبها جازت من معرفة ، نحو : «جاء ضاحكا زيد» ، ومن نكرة ، نحو : «جاء ضاحكا رجل» ، لأنّها لا تكون صفة ، لأنّ الصفة لا تتقدّم على الموصوف ، فلزم النصب.
______________________
ـ والهاء ضمير متّصل مبنيّ في محلّ جرّ بالإضافة. قليل : حال ثالثة منصوبة ، وهو مضاف. الرجاء : مضاف إليه مجرور بالكسرة.
جملة «يعيش» صلة الموصول لا محلّ لها من الإعراب.
الشاهد فيه قوله : «الميت من يعيش كئيبا كاسفا باله قليل الرجاء» فإنّ هذه الأحوال (كئيبا ، كاسفا باله ، قليل الرجاء) لا يستغني الكلام عنها ، لأنها إذا أسقطت صار الكلام : «إنما الميت من يعيش» ، وفي هذا تناقض. ويروى البيت باستبدال كلمة «الرخاء» أو «الغناء» بكلمة «الرجاء».
(١) الدخان : ٤ ـ ٥.
(٢) أي : مقدار ما أخذ من الأرض قعوده.