الذي تزعمه باطل ، إذ لو كان هذا لنبّه عليه سيبويه وغيره من الأئمة في موضع من الاشتغال.
ومنهم من ذهب إلى أنّ جملة الاشتغال إن كانت معطوفة بالواو لم يحتج فيها إلى ضمير ، لكون الواو بمعنى «مع» ، كأنك قلت في : «زيد ضربته وعمرا أكرمته» : زيد جمعت بين ضربه وإكرام عمرو. وإذا كان هذا لم تحتج الجملة المعطوفة إلى رابط لتلبسها بالجملة المعطوفة عليها ، فكأنّهما جملة واحدة ، والجملة الواحدة يغني فيها ضمير واحد. وهذا فاسد ، لأنّ يونس وغيره من أئمة النحويين حكوا أنّ الأمر في الواو كالأمر في غيرها من حروف العطف في اختيار النصب وإن خلت الجملة من ضمير.
وذهب الفارسي إلى أنّ النصب يختار وإن كان العطف على الجملة الكبرى ، وذلك أنّ الواو قد تقدّمها جملتان ، فإن لحظت المشاكلة بين الجملة الكبرى وجملة الاشتغال كان المختار الرفع على الابتداء ، وإن لحظت المشاكلة بين الجملة الصغرى وبين جملة الاشتغال فالاختيار الحمل على إضمار فعل.
ولا يلزم أن يقع تشاكل بين الجملة الصغرى وبين جملة الاشتغال حتى تكون معطوفة عليها بل قد تلحظ المشاكلة ولا عطف ، بدليل قولهم : «أكلت السمكة حتّى رأسها أكلته» ، فقد شاكلوا بين الجملتين ، وليس ثمّ حرف عطف ، لأنّ «حتى» لا تعطف الجمل وإنّما تعطف المفردات.
وهذا أسدّ المذاهب في هذه المسألة ، وهو الذي يعضده كلام العرب.
وإن كان المتقدم حرفا هو بالفعل أولى ، كان المختار الحمل على إضمار فعل.
والحروف التي هي بالفعل أولى أدوات الاستفهام و «ما» و «لا» النافيتان.
فإن قيل : فلأيّ شيء كانت بالفعل أولى؟ فنقول : لشبهها بأدوات الجزاء وذلك أنّ الفعل بعدها غير موجب كما هو بعد أدوات الجزاء.
ولأدوات الاستفهام وجهان من الشبه زائدان لما ذكر اختصت بهما دون «ما» و «لا» ، وهما أنّ الفعل بعدها غير محتمل للصدق والكذب ، وأنّها قد تضمّن معنى الشرط ، الجواب فتقول : «أين بيتك أزرك»؟ فلما أشبهت لأدوات الجزاء كانت أولى بطلب الفعل من طلب الاسم.