ولم يلزم بعدها الفعل كما لزم بعد أدوات الجزاء لأنّ المشبّه بالشيء لا يقوى قوة ما شبّه به. فإن وقع بعدها الاسم اختير فيه الحمل على إضمار فعل لما ذكرنا ويكون الاسم على حسب الضمير أو السببيّ.
فإن كان الاسم الذي اشتغل عنه الفعل اسم استفهام ، فلا يخلو أن يكون العامل قد عمل في الضمير أو السببيّ رفعا أو نصبا. فإن كان قد عمل رفعا فهو مرفوع على الابتداء ولا يجوز أن يكون فاعلا ، لأنّه لا يخلو أن يكون الفعل قبل اسم الاستفهام أو بعده ، فقبله لا يتصور لأنّ الاستفهام له صدر الكلام ، ولا يجوز أن يقدّر بعده لأنّ الفاعل لا يعمل فيما بعده.
وإن كان قد عمل فيه نصبا أو خفضا ، جاز فيه وجهان : الرفع والنصب. وفيه خلاف بين سيبويه والأخفش.
فسيبويه يختار فيه الرفع ، ويشببهه بـ «زيد ضربته» ، والأخفش يختار فيه النصب ويجريه مجرى : «زيدا ضربته». وهذا الذي ذهب إليه أبو الحسن ليس بشيء لأنّ القياس يرد عليه ، لأنّ الاستفهام لا تتقدمه أداة تشبه الجزاء ، كما كان كذلك في : «أزيدا ضربته» ، فلا مسوّغ إذن لاختيار إضمار الفعل.
وليس من أدوات الاستفهام ما إذا اجتمع بعده الاسم والفعل يلزمه الاسم في فصيح الكلام إلّا الهمزة ، وسبب ذلك أنّها أمّ الباب ، فلذلك اتّسع فيها.
ودليل ذلك أنها تدخل على أخواتها ولا تدخل أخواتها عليها ، ولا يجوز أن يلي الاسم أداة استفهام ما عدا الهمزة إلّا في ضرورة ، فتقول : «أزيد قام»؟ في فصيح الكلام ، ولا يقال : «هل زيد قام»؟ إلّا في ضرورة ، بل الفصيح : «هل قام زيد»؟
وأما «ما» و «لا» فليسا كذلك ، بل يليهما الاسم تارة والفعل أخرى ، وسبب ذلك أنّهما لم يقويا على طلب الفعل قوّة أدوات الاستفهام لضعف شبههما بأدوات الشرط وقوّة شبه أدوات الاستفهام كما تقدم.
وهذا ما لم يفصل بين الاستفهام و «ما» و «لا» والاسم الذي اشتغل عنه الفعل فاصل غير ظرف ولا مجرور ، فإن فصل بينهما فلا يجوز في الاسم إلا ما كان يجوز قبل دخول «ما» و «لا» ، وذلك قولك : «أأنت زيد ضربته» ، و «ما أنت زيد ضربته» ، الاختيار في
جمل الزجاجي / ج ١ / م ٢٣