أصله : لكن أنا ، ثم نقلت حركة همزة «أنا» إلى نون «لكن» فصار «لكننا» ثم أدغم ، فلمّا أراد إدغام النون من «لكن» في الساكنة بعدها احتاج إلى تسكين الأولى لأنّه لا يدغم إلّا الساكن في المتحرك ، فلما سكّن التقى الساكنان : النون من لكن والنون الساكنة من «إنّي» ، فحركت الثانية لالتقاء الساكنين ، وكانت حركتها بالفتح طلبا للخفة ثم أدغم ، فصار «لكنّني».
وإنّما لم تدخل اللام إلّا في خبر «إنّ» من بين سائر أخواتها لأنّها تدخل على المبتدأ والخبر ولا تغيّر معناه ولا حكمه كسائر أخواتها ، ألا ترى أنّ «ليت» تدخل في الخبر التمنّي ، و «لعلّ» تدخل فيه الترجّي ، و «كأنّ» تدخل فيه التشبيه ، و «لكنّ» تصيّر الجملة لا تستعمل إلّا بعد تقدّم كلام ، وقد كانت قبل دخولها ليست كذلك ، ألا ترى أنّك لا تقول : «لكنّ زيدا قائم» ، ابتداء ، وأيضا فإنّ الجملة قبل دخول «لكنّ» قد كان يسوغ وقوعها جوابا للقسم ، نحو : «والله لزيد قائم» ، ولا يتصوّر ذلك مع «لكنّ».
وأما «أنّ» فتصيّر مع ما بعدها في تقدير مفرد ، نحو : «يعجبني أنّ زيدا قائم» ، ألا ترى أنّها تتقدّر بالمصدر ، كأنّك قلت : «يعجبني قيام زيد» ، وأما «إنّ» فلا تغيّر معنى الكلام ولا حكمه ، ألا ترى أنّ : «إنّ زيدا قائم» ، و «زيد قائم» ، بمعنى واحد ، وأنّ كلّ واحد منهما يقع جوابا للقسم ، تقول : «والله لزيد قائم» ، و «الله إنّ زيدا قائم» ، فلما لم تغيّر «إنّ» الحكم ولا المعنى أتوا معها باللام المؤكّدة كما يفعلون قبل ذلك.
وكان حقّها أن تدخل على اسم «إنّ» لأنّه هو المبتدأ في الأصل ، فلم يمكن ذلك كراهية الجمع بين حرفين مؤكّدين ، فأخّروها إلى الخبر ، فقالوا : «إنّ زيدا لقائم» ، لأنّ «قائما» هو زيد في المعنى. وقالوا أيضا : «إنّ زيدا ليقوم» ، لأنّ «يقوم» وإن لم يكن المبتدأ في المعنى يشبه «قائما» ، فأدخلوا اللام عليه كما أدخلوها على «قائم».
وقالوا أيضا : إنّ زيدا لوجهه حسن ، وإن لم تكن الجملة هي المبتدأ في المعنى ، لأنها تلي الاسم في اللفظ ، فأشبهت بذلك : «إنّ زيدا لقائم».
وقالوا أيضا : «إنّ زيدا لنعم الرجل» ، لأنّ «نعم» لا تتصرّف ، فأشبهت الاسم ، فأدخلت اللام عليها كما تدخل على الخبر إذا كان اسما.
وقالوا أيضا : «إنّ زيدا لفي الدار» ، و «إنّ زيدا لخلفك» ، لأنّهما نائبان مناب «مستقرّ» ، و «مستقرّ» هو المبتدأ في المعنى ، فعوملا لذلك معاملة ما نابا منابه.