ففصل بين «كأنّ» واسمها بجملة الاعتراض التي هي : «وقد أتى حول كميل» ، وإنّما لم يجز عندي أن يتعلق بالخبر لأنّه قد تقرّر في كلامهم أنّ تقديم المعمول يؤذن بتقديم العامل. فلو كان «بحبّها» متعلقا بـ «مصاب» لأدى ذلك إلى تقديم «مصاب» على اسم «إنّ» ، وذلك لا يجوز.
ويشترط في الظرف والمجرور الواقعين خبرا لهذه الحروف أن يكونا تامين ، وأعني بذلك أن يكون بالإخبار بهما فائدة ، فتقول : «إنّ زيدا في الدار قائما» ، على أن يكون «في الدار» الخبر و «قائم» حالا ، لا على أن يكون «قائم» الخبر و «في الدار» معمولا للخبر.
وتقول : «إنّ زيدا بك واثق» ، ولا يجوز واثقا ، لأنّ «بك» ناقص ليس في الإخبار به فائدة ، ألا ترى أنّك لا تقول : «إنّ زيدا بك» ، ويتمّ الكلام ، فلذلك لم يجز جعله خبرا.
وزعم الفراء ومن أخذ بمذهبه أنّه يجوز أن تقول : «إنّ زيدا بك واثقا» ، على أن يكون «بك» خبرا في اللفظ وهو في الحقيقة معمول لواثق ، ويكون واثقا منصوبا على أنه حال في اللفظ وإن كان في المعنى خبرا ، فيكون الإعراب غير موافق للمعنى ، فيكون من قبيل القلب ، لأنه جعل المجرور الذي كان فضلة في موضع العمدة الذي هو الخبر ، وجعل الخبر وهو عمدة منصوبا على الحال ، فكأنه فضلة.
وهذا الذي ذهب إليه باطل ، لأنّ هذا من قبيل قلب الإعراب وباب ذلك أن يجيء في الشعر لا في فصيح الكلام. واستدلّ على ذلك بقوله :
فلا تلحني فيها ....... |
|
............. |
البيت (١) فإنّه رواه بنصب «مصاب» ، فيكون «بحبّها» خبرا لـ «إنّ» في اللفظ وإن كان ناقصا ، ألا ترى أنّك لو قلت : «إنّ بحبّها أخاك» ، لم يتم الكلام.
______________________
ـ بالإضافة. حمامات : خبرها مرفوع بالفتحة الظاهرة على آخره. مثول : صفة للحمامات مرفوعة بالفتحة الظاهرة.
وجملة «كأن أثافيها حمامات» : ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة «وقد أتى حول كميل» : اعتراضية لا محل لها.
والشاهد فيه قوله : «وقد أتى حول كميل» : إذ اعترضت الجملة بين كأن واسمها.
(١) تقدم بالرقم ٣٠٠.