يريد : وكأن قد زالت ، فحذف لفهم المعنى.
ومن كلامهم : «قاربت المدينة ولمّا» ، أي : ولمّا أدخلها. وأما قوله تعالى : (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) (١). فلا ينبغي أن تجعل فيه «إنّ» بمعنى «نعم» ، ويكون «هذان» مبتدأ و «ساحران» خبره ، واللام زائدة في الخبر ، لأنّه كما تقدّم لم تثبت «إنّ» بمعنى «نعم» ، وأيضا فإنّ اللام لا تزاد في الخبر إلّا في ضرورة شعر ، نحو قوله [من الرجز] :
أمّ الحليس لعجوز شهربه |
|
ترضى من اللحم بعظم الرّقبه (٢) |
أو في نادر كلام ، كقراءة من قرأ : إلا أنهم ليأكلون الطعام (٣) بفتح همزة «إنّ» ، فإذا أمكن أن يحمل على أحسن من هذا كان أولى.
وكذلك لا ينبغي أن تجعل اللام في هذا الوجه داخلة على مبتدأ محذوف ويكون التقدير إذ ذاك : «إنّ هذان لهما ساحران» ، فتكون الجملة من قوله «لهما» في موضع خبر المبتدأ الذي هو «هذان» ، و «إنّ» بمعنى «نعم» ، لأنّ في هذا الوجه أيضا إثبات «إنّ» بمعنى «نعم» ، وذلك لم يستقر. وحذف المبتدأ وإدخال لام التأكيد ، وذلك غير جائز ، لأن التأكيد من موضع الإطالة والإسهاب ، فيناقضه الحذف والاختصار. وكذلك لا ينبغي أن يحمل على أن يكون اسم «إنّ» ضمير الأمر والشأن محذوفا ، ويكون «هذان» مبتدأ و «ساحران» خبره وتكون اللام زائدة في الخبر والجملة في موضع خبر «إنّ» ، لأنّ في ذلك شيئين بابهما أن لا يجوزا إلّا في الضرورة ، وهما حذف اسم «إنّ» وهو ضمير الأمر والشأن ، والآخر : زيادة اللام في الخبر. وكذلك أيضا لا يجوز في هذا الوجه جعل اللام داخلة على مبتدأ محذوف لما في ذلك من المناقضة بين الحذف والتأكيد ، وقد تقدم ذلك.
فالذي ينبغي أن يحمل عليه أن يكون «هذان» اسم «إنّ على لغة بني الحارث بن كعب الذين يجعلون التثنية بالألف على كل حال ، وتكون اللام لام «إنّ» و «ساحران» الخبر.
______________________
(١) طه : ٦٣.
(٢) تقدم بالرقم ٢٩٠.
(٣) الفرقان : ٢٠.
جمل الزجاجي / ج ١ / م ٢٩