«كأنّ» تكون بمنزلة «إنّ» للتأكيد ، واستدلّ على ذلك بقول الشاعر [من الوافر] :
٣١٢ ـ فأصبح بطن مكّة مقشعرّا |
|
كأنّ الأرض ليس بها هشام |
وذلك أنّ هذا الشاعر يرثي هشاما ، فمعلوم أنّه ليس بالأرض ، والمعنى إذن : لأنّ الأرض ليس بها هشام إذ محال أن يقول الإنسان : كأنّ الأرض ليس بها هشام على جهة التشبيه و «هشام» ليس بالأرض.
وهذا البيت لا حجّة فيه ، لاحتمال أن تكون «كأنّ» فيه للتشبيه ، وذلك أنّ هشاما وإن كان قد مات فجسده في الأرض ، فكان ينبغي لبطن مكة بسبب ذلك أن لا يتغيّر ، فلما تغيّر بطن مكة واقشعرّ ، صارت الأرض كأنّ هشاما ليس بها.
وزعم أبو الحسن بن الطراوة أنّ «كأنّ» تكون بمعنى «ظننت» ، واستدلّ على ذلك بأنّك تقول : «كأن زيدا قائم» ، والقائم هو زيد والشيء لا يشبّه بنفسه. فالجواب عن ذلك : إنّ الشيء قد يشبّه في حال ما بنفسه في حال أخرى ، فتكون إذ قلت : «كأنّ زيدا قائم» ، مشبّها لزيد غير قائم به قائما ، أو يكون قائما غير زيد ويكون في الكلام حذف كأنك قلت : كأنّ هيئة زيد قائم.
______________________
٣١٢ ـ التخريج : البيت للحارث بن خالد في ديوانه ص ٩٣ ؛ والاشتقاق ص ١٠١ ، ١٤٧ ؛ وبلا نسبة في الجنى الداني ص ٥٧١ ؛ وجواهر الأدب ص ٩٣ ؛ والدرر ٢ / ١٦٣ ؛ وشرح التصريح ١ / ٢١٢ ؛ وشرح شواهد المغني ٢ / ٥١٥ ؛ ولسان العرب ١٢ / ٤٦١ (قثم) ؛ وهمع الهوامع ١ / ١٣٣.
اللغة : بطن مكّة وباطنها : ما غمض منها وأطمأن ، سهلها وحزنها ورياضها. المقشعر : المرتعد المرتجف. هشام : هو هشام بن المغيرة المخزومي.
المعنى : ارتجفت سهول مكة ورياضها حزنا على فقيدها ، فهي قد خلت من هشام بن المغيرة.
الإعراب : فأصبح : «الفاء» : للاستئناف ، «أصبح» : فعل ماض ناقص. بطن : اسم (أصبح) مرفوع بالضمّة. مكة : مضاف إليه مجرور بالفتحة عوضا عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف. مقشعرّا : خبر (أصبح) منصوب بالفتحة. كأنّ : حرف مشبّه بالفعل. الأرض : اسم (كأن) منصوب بالفتحة. ليس : فعل ماض ناقص. بها : جار ومجرور متعلّقان بخبر (ليس) المحذوف. هشام : اسم (ليس) مرفوع بالضمّة.
وجملة «فأصبح» : استئنافية لا محلّ لها. وجملة «كأن الأرض» : استئنافية لا محلّ لها. وجملة «ليس بها هشام» : في محلّ رفع خبر (كأن).
والشاهد فيه قوله : «كأن الأرض» حيث جاءت (كأن) لتفيد معنى التأكيد.