وزعم بعض النحويين أنّها تكون تقريبا ، وذلك في نحو : «كأنّك بالشتاء مقبل» ، و «كأنّك بالفرج آت». ألا ترى أنّ المعنى على تقريب الشتاء ، وتقريب إتيان الفرج ، ولا يتصوّر التشبيه إذ لا يتصوّر أن يشبّه المخاطب بالشتاء ، ولا بالفرج إذ ليس المقصود ذلك.
والصحيح عندي أنّ «كأنّ» للتشبيه ، فكأنّك أردت أن تقول : كأنّ الفرج آت ، وكأنّ الشتاء مقبل ، إلّا أنّك أردت أن تدخل الكاف للخطاب وألغيت «كأنّ» لزوال اختصاصها بالجملة الاسمية لمّا لحقها اسم الخطاب ، كما ألغيت لمّا لحقها «ما» في نحو «كأنّما» ، لزوال الاختصاص ، وكذلك تلغى إذا لحقها ضمير المتكلم في نحو : «كأنّي بك تفعل» ، ألا ترى أنّها إذ ذاك تدخل على الجملة الفعلية التي هي تفعل.
والباء في «بالشتاء مقبل» ، زائدة ، وكأنه قال : «كأنّك الشتاء مقبل» ، أراد أن يقول : «كأنّ الشتاء مقبل» ، فألحق الكاف للخطاب وألغى «كأنّ» ، وزاد الباء في المبتدأ ، كما زيدت في «بحسبك زيد».
وأما من زعم أنّ ذلك على حذف مضاف والتقدير : كأنّ زمانك مقبل بالشتاء ، وذلك أنّه لما كان الشتاء قريب الوقوع جعل الزمان الحاضر في وقت الخطاب كأنّه مقبل به ، فمذهبه باطل ، لأنّ ذلك لا يطرد في كل موضع. ألا ترى أنّ ذلك لا يتصوّر في مثل : «كأنّي بك تفعل كذا» ، ألا ترى أنّه لا يتصوّر أن تقول : «كأنّ زماني بك تفعل كذا». فتقرّر إذن أنّها للتشبيه.
وهي عند النحويين مركبة من «إنّ» وكاف التشبيه. وذلك أن الأصل : «إنّ زيدا كقائم» ، فاعتني بحرف التشبيه وقدم على «أنّ» ، فلمّا خرجت عن الصدر فتحت فصار : «كأنّ زيدا قائم». ولا يتصوّر أن تكون الكاف دخلت على «أنّ» المفتوحة ، لأنّ المفتوحة مع صلتها بتقدير المصدر وليس كذلك : «كأنّ زيدا قائم».
والذي حمل على ادعاء التركيب فيها أنّه قد تقرر التشبيه بالكاف في نحو : «زيد كعمرو» ، ولم يتقرر بـ «إنّ» ، وإذا أمكن أن يكون التشبيه بالحرف الذي تقرر ذلك فيه كان أولى.