يريد : وليس إلى النزول منها سبيل.
و «ربّ» من الحروف التي لها صدر الكلام فتقول : «ربّ رجل عالم لقيت» ، وسبب ذلك أنها كما قد ذكرنا للتقليل ، فالتقليل يجري مجرى النفي ، فعوملت معاملة ما يجعل له الصدر لذلك. وأيضا فإنّها للمباهاة والافتخار مثل «كم» ، وهي للتقليل ، فهي لذلك نقيضة «كم» لأنّ «كم» للتكثير ، والشيء يجري مجرى نقيضه ومجرى نظيره ، فعوملت لذلك معاملة «كم».
وينبغي أن يعلم أنّ الاسم المخفوض بـ «ربّ» هو معها بمنزلة اسم واحد يحكم على موضعها بالإعراب ، فإن كان العامل الذي بعدها رافعا كانت في موضع رفع على الابتداء ، نحو قولك : «ربّ رجل عالم قام» ، فلفظ «رجل» مخفوض بـ «ربّ» وموضعه رفع على الابتداء.
وإن كان العامل الذي بعدها متعدّيا فلا يخلو أن يكون قد أخذ معموله أو لم يأخذه. فإن كان لم يأخذه كان الاسم الذي بعد «ربّ» في موضع نصب ، ويكون لفظه مخفوضا ، نحو : «ربّ رجل عالم لقيت».
وإن كان العامل قد أخذ معموله جاز أن يحكم على موضعه بالرفع والنصب ويكون لفظه مخفوضا ، نحو قولك : «ربّ رجل عالم لقيته» ، لأنّ «ربّ» كأنّها زائدة في الاسم ، فكأنك قلت : رجل عالم لقيته ، فكما يجوز في الرجل في هذه المسألة أن يرفع وينصب ، فكذلك يجوز في الاسم الواقع بعد «ربّ» أن يحكم عليه بذلك.
فإن قال قائل : وما الدليل على أنّ «ربّ» بمنزلة حرف زائد على الاسم؟
فالجواب أن تقول : لو لم تكن كذلك لما جاز : «ربّ رجل عالم ضربته» ، لأنّك لو جعلت «ربّ رجل» متعلقا بـ «ضربت» ، لكنت قد عدّيت الفعل إلى الاسم وإلى ضميره ، وذلك لا يجوز ألا ترى أنّه لا يجوز أن تقول : «زيدا ضربته» ، على أن يكون «زيدا» منصوبا بـ «ضربت» هذه الملفوظ بها ، ولو جعلته متعلقا بفعل مضمر يفسره هذا الظاهر وتكون المسألة من الاشتغال لم يجز ، لأنه لا يجوز في الاشتغال إضمار الفعل وإبقاء الاسم مجرورا ، لا يجوز أن تقول : «بزيد مررت به» ، بل تقول : «زيدا مررت به» ، فدلّ ذلك على أنّ «ربّ» كأنّها زائدة ، وكأنّك قلت : «رجل عالم ضربته» ، أو «رجلا عالما ضربته» ، على