فهذه ، فلذلك قال عليهالسلام : بعثت أنا والساعة كهاتين. إشارة إلى قربها. وما قرب وقوعه فإنّ العرب تعامله معاملة ما استقر وقوعه ، قال الله تعالى : (أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) (١) ، يريد : يأتي ، لكن لقرب ذلك جعله كأنه قد وقع. والدليل على أنّ الإتيان هنا مستقبل قوله : «فلا تستعجلوه» ، والاستعجال لا يتصوّر إلا بالنظر لما يستقبل ، فلذلك أوقع «ربّ» في قوله : «ربّما يودّ» على المستقبل معاملة له معاملة الماضي لسبب ما ذكرنا من القرب.
وأجاز خلف الأحمر أن يفصل بين «ربّ» وما تعمل فيه بالقسم ، نحو : «ربّ والله رجل عالم لقيت». وذلك عندنا لا يجوز ، لأنّ حرف الجر قد ينزل من المجرور منزلة الحرف من الكلمة ، ألا ترى أنّ المجرور في موضع منصوب ، ولذلك قد يجوز أن يحمل على موضع الباء ، فتقول : «مررت بزيد وعمرا» ، فتعامل «زيد» معاملة المنصوب ، فكأنّك قلت : «لقيت زيدا وعمرا» ، فإن جاء الفصل بين حرف الجر والمجرور في الشعر فضرورة ولا يقاس عليها نحو قوله [من الطويل] :
٣٦٢ ـ مخلّقة لا يستطاع ارتقاؤها |
|
وليس إلى منها النّزول سبيل |
______________________
(١) النحل : ١.
٣٦٢ ـ التخريج : البيت بلا نسبة في الخصائص ٢ / ٣٩٥ ، ٣ / ١٠٧ ؛ ورصف المباني ص ٢٥٥ ؛ والمقرب ١ / ١٩٧.
اللغة : مخلقة : الصخرة الملساء.
المعنى : يصف الشاعر صخرة فيقول عنها : إنها ملساء صعب الوصول إليها ، وإن استطاع ذلك بأسلوب ما ، فالنزول منها صعب أيضا.
الإعراب : مخلقة : خبر لمبتدأ محذوف تقديره (هي). لا يستطاع : «لا» : نافية لا عمل لها ، «يستطاع» : فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بالضمة الظاهرة. ارتقاؤها : نائب فاعل مرفوع ، و «ها» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. وليس : «الواو» : عاطفة ، «ليس» : فعل ماض ناقص مبني على الفتح. إلى : حرف جر. منها : جار ومجرور متعلقان بـ (النزول). النزول : اسم مجرور بإلى ، والجار والمجرور متعلقان بخبر ليس المحذوف. سبيل : اسم ليس مؤخر مرفوع.
وجملة «هي مخلقة» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «لا يستطاع ارتقاؤها» : في محلّ رفع صفة. وجملة «ليس إلى النزول سبيل» : معطوفة على جملة «لا يستطاع ارتقاؤها».
والشاهد فيه قوله : «ليس إلى منها النزول» حيث فصل بين الجار والمجرور ، ضرورة.