ومن الناس من زعم أنّه لا بدّ من «قد» ظاهرة أو مقدّرة ، فإنّه قاس ذلك على اللام الداخلة على خبر «إنّ» ، فكما لا تدخل تلك اللام على الماضي فكذلك هذه اللام عنده. وذلك باطل ، لأنّ لام «إنّ» إنّما لم يجز دخولها على الماضي لأنّ قياسها أن لا تدخل على الخبر إلّا إذا كان المبتدأ في المعنى ، نحو : «إنّ زيدا لقائم». أو مشبّها بما هو مبتدأ في المعنى ، نحو : «إنّ زيدا ليقوم» ، فـ «يقوم» يشبه «قائم» لأنّ هذه اللام هي لام الابتداء ، فلما تعذّر دخولها على المبتدأ دخلت على ما هو المبتدأ ، وليست كذلك اللام التي في جواب القسم. وأيضا فإنّ «قد» تقرب من زمن الحال ، فإذا أردنا القسم على الماضي البعيد من زمن الحال لم يجز الإتيان بها.
فإن كان الفعل مستقبلا ، فلا يخلو من أن يكون موجبا أو منفيّا. فإن كان منفيا نفيته بـ «لا» ، فقلت : «والله لا يقوم زيد» ، وإن شئت حذفت «لا» لأنّه لا يلبس بالإيجاب. وإن كان موجبا أتيت باللام والنون الشديدة أو الخفيفة ، فقلت : «والله ليقومنّ زيد». ولا يجوز حذف النون وإبقاء اللام ولا حذف اللام وإبقاء النون إلّا في الضرورة ، على ما يبيّن بعد.
وإن كان حالا فمن الناس من قال إنّه لا يجوز أن يقسم عليه ، لأنّ مشاهدته أغنت عن أن يقسم عليه. وهذا باطل ، لأنّه قد يعوق عن المشاهدة عائق فيحتاج إذ ذاك إلى القسم ، نحو قولك : «والله إنّ زيدا في حال قيام» ، لمن لا يدرك قيام زيد. والصحيح أنّه يجوز أن يقسم عليه ، إلا أنّه لا يخلو أن يكون موجبا أو منفيّا ، فإن كان منفيّا نفي بـ «ما» خاصة ، نحو : «والله ما يقوم زيد» ، ولا يجوز حذفها.
وإن كان موجبا ، فإنك تبني من الفعل اسم فاعل وتصيّره خبرا لمبتدأ ثمّ تقسم على الجملة الاسمية ، فتقول : «والله إنّ زيدا لقائم» ، و «والله إنّ زيدا قائم» ، و «والله لزيد قائم».
______________________
ـ نافية. إن : زائدة لا محلّ لها. من حديث : «من» : حرف جرّ زائد ، «حديث» : مجرور لفظا ، مرفوع محلّا على أنه مبتدأ خبره محذوف ، بتقدير (فما حديث موجود). ولا : «الواو» : للعطف ، «لا» : نافية. صالي : معطوف على (حديث) مجرور لفظا ، مرفوع محلا ، بحركة مقدّرة ، والياء : للإطلاق.
وجملة «حلفت» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «لناموا» : لا محلّ لها (جواب القسم). وجملة «فما إن من حديث» : استئنافية لا محلّ لها.
والشاهد فيه قوله : «حلفت لها ... لناموا» حيث جاء بـ (اللام) دون (قد) في جواب القسم (ناموا) ، وذلك لبعده من زمن الحال.