فقد بان أن هذه العقود ليست جموع سلامة ، ولو كان عشرون جمعا لعشرة كان مفتوح العين لأن جمع السلامة لا يتغيّر فيه الواحد.
فإن قيل : وما المانع أن تكون جموع تكسير؟ فالجواب : إن جمع التكسير هو الذي له واحد من لفظه بني الجمع عليه ، وقد تبيّن أن هذه العقود ليس لها واحد من لفظها لامتناع أن يكون ثلاثون جمع ثلاث ، وكذلك سائر هذه العقود على حد «ثلاثين» في ذلك ، في أنه لا يتصور من طريق المعنى أن تكون الواو والنون زائدتين فيهما على أسماء العقود ، فثبت أنها من قبيل أسماء الجموع. فالواحد من عشرين رجلا أو امرأة على حسب ما يراد به من المعدودات كما أنّ الواحد من قوم «رجل» ومن إبل «جمل».
فإن قيل : ما وجه كونه بالواو والنون في الرفع ، والياء والنون في النصب والخفض مع أنه ليس من جموع السلامة؟ فالجواب : أنّه جاء على حدّ ما عليه «سنون» و «أرضون» ، ألا ترى أنّ «سنين» ليس بجمع سلامة ، لتغيّر لفظ «سنة» ، ولا جمع تكسير لكونه غير مفرد في نظائره نحو هنة (١) وشفة ألا ترى أنهما لا يجمعان بالواو والنون. فهو وإن كان له واحد من لفظه اسم جمع كـ «ركب» في مذهبنا ، ألا ترى أنه اسم جمع وإن كان واحده راكبا لكونه لم يطّرد ، أعني فاعل على فعل.
فإذا ثبت أن أسماء الجموع قد تجيء بالواو والنون في الرفع ، والياء والنون في النصب والخفض فينبغي أن تحمل هذه العقود على ذلك.
فإن قيل : فإنّما يكون ذلك في المنقوص ، نحو : سنة وعضة (٢) وثبة (٣) ، فالجواب : إنه قد يكون في المؤنث الذي لم يؤنث بعلامة عوضا من العلامة التي ينبغي أن تكون له في الأصل ، إذ الأصل في التأنيث أن يكون بعلامة ، ألا ترى أنّهم قد فعلوا ذلك في «أرض» ، فقالوا : أرضون ، ليكون ذلك عوضا من التاء التي ينبغي أن تكون فيه في الأصل ، فكذلك هذه العقود جاءت بالواو والنون ، والياء والنون ليكون ذلك عوضا من التاء المحذوفة من ثلاث وأربع وسائر أخواتها ، لأن أسماء العدد كلّها مؤنثة ، فكان ينبغي أن تلحقها التاء على كل حال. فهي في جمعها بالواو والنون بمنزلة «أرضين».
______________________
(١) الهنة : خصلة الشرّ.
(٢) لعضة : الكذب ، والجزء ، والفرقة.
(٣) الثّبة : الجماعة من الفرسان أو الناس ، ووسط الحوض.