لو فرض (١) صراحة المضارع في الإنشاء على وجه لا يحتاج إلى قرينة المقام ، فتأمّل (٢).
______________________________________________________
(١) اختار المصنف قول القاضي في جواز الإنشاء بالمضارع ، لكن لا مطلقا بل قيّده بما إذا كانت دلالة المستقبل على الإنشاء بنفسه ، لا بمعونة قرينة مقامية ، وهي كون المتكلم في مقام إيقاع المعاملة ، فلو كانت دلالته على الإنشاء بمعونة قرينة مقامية لم يصح ، ولا بدّ من الاقتصار على الفعل الماضي.
والوجه في هذا التقييد هو ما أفاده ـ في المبحث الأول مما يتعلق بمادة الصيغة ـ في توجيه كلمات القوم من : أنّ الصيغة إن دلّت بحسب الوضع أو بمعونة قرينة لفظية منضمّة إليها جاز الإنشاء بها. وإن دلت بقرينة مقامية مقارنة لها أو بقرينة لفظية سابقه على الإنشاء بالصيغة غير الصريحة لم يصح.
فعلى هذا لا بد من تقييد جواز الإنشاء بالمضارع بما إذا كانت الدلالة مستندة الى الوضع ولو بضميمة قرينة لفظية ، كقرينية التأبيد وعدم البيع والهبة والإرث على إرادة الوقف من صيغة «حرّمت».
(٢) إشارة إلى : أنّ الصراحة الناشئة عن الوضع ـ بحيث لا تحتاج إلى قرينة لفظية أو مقامية ـ مفقودة في الماضي أيضا ، ضرورة أنّ فعل الماضي وضع للإخبار لا الإنشاء ، فهو صريح في الإخبار ، ولا يكون ظاهرا في الإنشاء إلّا بالقرينة. فدعوى : صراحة الماضي في الإنشاء بدون قرينة المقام في غاية الوهن والسقوط.
هذا بناء على وضع الماضي للإخبار كما هو المشهور عند النحاة. وأمّا بناء على كون الإخبارية والإنشائية من شؤون الاستعمال ـ من دون دخلهما في نفس المعنى الموضوع له ـ فلا وجه أيضا لدعوى الصراحة في الإنشاء أصلا ، فلا بدّ من الالتزام بدلالة الماضي مع القرينة على الإنشاء. وحينئذ يكون الأمر والمضارع مع القرينة المقامية دالّين على الإنشاء أيضا.