ومرادهما أنّه بنفسه لا يكون قبولا ، فلا ينافي ما ذكرنا من تحقق مفهوم القبول فيه إذا وقع عقيب تمليك البائع. كما أنّ «رضيت بالبيع» ليس فيه إنشاء لنقل ماله إلى البائع إلّا إذا وقع متأخّرا ، ولذا منعنا عن تقديمه. فكلّ من «رضيت واشتريت» بالنسبة إلى إفادة نقل المال ومطاوعة البيع عند التقدّم والتأخر متعاكسان (١).
فإن قلت (٢) : إنّ الإجماع على اعتبار القبول في العقد يوجب تأخير قوله : «اشتريت» حتّى يقع قبولا ، لأنّ إنشاء مالكية مال الغير إذا وقع عقيب تمليك الغير له يتحقق فيه معنى الانتقال وقبول الأثر ، فيكون «اشتريت»
______________________________________________________
«اشتريت» مثلا ، لأنّه مما يمكن الإنشاء به بدون سبق إنشاء عليه ، فيسقط بهذا ما عن بعض : من أنّا لا نفهم معنى لكون الأصل في القبول «قبلت».
(١) توضيحه : أنّ «رضيت» يفيد المطاوعة التي بها يكون إنشاء لنقل ماله إلى البائع ، ولأجل تأخّر المطاوعة امتنع تقدّم «رضيت» على الإيجاب ، فإنشاء النقل مترتب على المطاوعة. بخلاف «اشتريت» فإنّه لا يدلّ على المطاوعة إلّا إذا تأخّر عن الإيجاب ، لكنّه يدلّ على إنشاء نقل ماله.
وبالجملة : «رضيت» يدلّ على المطاوعة ، ولا يدلّ بنفسه على إنشاء النقل إلّا إذا تأخّر ، و «اشتريت» يدلّ على إنشاء النقل ، ولا يدلّ على المطاوعة إلّا إذا تأخّر ، فهما في إفادة المطاوعة والنقل متعاكسان.
(٢) هذا إشكال على ما قوّاه من جواز تقديم القبول إذا كان بلفظ «اشتريت» ونحوه. ومحصّل الإشكال : خلوّ عقد البيع عن القبول ، وانحصار الإنشاء في الإيجاب.
وتوضيحه : أنّ الإجماع على اعتبار القبول يوجب تأخيره عن الإيجاب حتى يقع قبولا ، فدلالة «اشتريت» على القبول إنّما تكون بسبب تأخيره ، وإلّا كان إيجابا لا قبولا ، إذ إنشاء التملّك لا يجعله قبولا إلّا إذا وقع عقيب تمليك الغير.
والشاهد على أعمية إنشاء التملّك من القبول العقدي هو صحة تملك الملتقط للقطة ، وكذا صحة تملّك الحائز ـ للمباحات الأصليّة ـ بالحيازة ، مع أنّه لا تمليك من