.................................................................................................
__________________
أقول : تنقيح الكلام في الموضع الأوّل يتوقف على صرف عنان البحث الى مقامات ثلاثة :
الأوّل : في الإيجاب ، والثاني في القبول ، والثالث فيما بينهما.
أمّا المقام الأوّل : فملخّص البحث فيه : أنّه قد استدل ـ كما في المتن ـ لاعتبار واجدية القابل لتلك القيود ـ حين إنشاء الإيجاب ـ بأنّ المعاقدة لا تتحقق بدونها.
وأيّده المحقق الأصفهاني قدسسره بما حاصله : أنّ مناط المعاهدة مع الغير يقتضي كونهما معا كذلك في حال الإيجاب والقبول ، إذ معيّة المتعاقدين ليست معيّة جسم مع جسم ، ولا معيّة حيوان مع حيوان ، بل معيّة شاعر ملتفت إلى ما يلتزم للغير ويلتزم الغير له ، وإلّا فلا ينقدح القصد الجدّي في نفس العاقل إلى المعاهدة مع من هو كالجدار أو كالحمار. وعلمه بالتفاته فيما بعد لا يصحّح المعاهدة معه فعلا (١) ، هذا.
وفيه : أنّ حقيقة العقد ليست من مقولة الفعل ، ولا من مقولة اللفظ ، ولا من الاعتبارات النفسانية المحضة ، بل هي ارتباط أحد الالتزامين بالآخر ، والرّابط بينهما ـ كما تقدم سابقا ـ هو وحدة الملتزم به. والالتزام قائم بالنفس ، ولا يسقط عن صلاحية ارتباطه بالتزام آخر بعروض عارض من نوم أو إغماء أو جنون ، فإنّ الالتزامات النفسانية لا تسقط عن الاعتبار بشيء من ذلك.
وتوضيح المقام منوط بتقديم مقدّمتين.
إحداهما : عدم اعتبار التخاطب في شيء من العقود ـ غير النكاح والمعاملات الذمية ـ حتى يلتزم باعتبار الأهلية في المتعاقدين في زمان الإنشائين وما بينهما ، فإنّ البيع مثلا ـ كما تقدّم في صدر الكتاب ـ هو التبديل بين المالين ، أو المبادلة بينهما ، من دون نظر إلى حيثية التخاطب ، فهذه الحيثية أجنبية عن حقيقة البيع ، فإذا قال الدلّال مثلا : «بعت هذا الكتاب بدينار» واستيقظ نائم والتفت إلى هذا الإيجاب وقال : «قبلت»
__________________
(١) : حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ٧٣