الأوّل : أنّ قوله : (أَعُوذُ بِاللهِ) اعتراف بكون العبد فاعلا ، لتلك الاستعاذة ، ولو كان خالق الأعمال هو الله تعالى ، لامتنع كون العبد فاعلا ؛ لأن تحصيل الحاصل محال ، وأيضا فإذا خلقه الله في العبد ، امتنع دفعه ، وإذا لم يخلقه الله فيه ، امتنع تحصيله ، فثبت أنّ قوله : (أَعُوذُ بِاللهِ) اعتراف بكون العبد موجدا لأفعال (١) نفسه.
والثّاني : أن الاستعاذة من الشيطان إنما تحسن إذا لم يكن الله تعالى ، خالقا للأمور التي منها يستعاذ.
أمّا إذا كان الفاعل لها هو الله تعالى ، امتنع أن يستعاذ بالله منها ؛ لأنّ بهذا التقدير يصير كأنّ العبد استعاذ بالله في غير ما يفعله الله تعالى.
والثالث : أن الاستعاذة بالله من المعاصي تدلّ على أنّ العبد غير راض بها ، ولو كانت المعاصي تحصل بتخليق الله تعالى ، وقضائه ، وحكمه ، وجب أنّ العبد يكون راضيا بها ؛ لما ثبت بالإجماع أنّ الرّضا بقضاء الله تعالى واجب.
والرابع : أن الاستعاذة بالله من الشيطان إنّما تحسن لو كانت تلك الوسوسة فعلا للشيطان ، أمّا إذا كانت فعلا لله ، ولم يكن للشّيطان في وجودها أثر ألبتة ، فكيف يستعاذ من شرّ الشيطان؟ بل الواجب أن يستعاذ على هذا التقدير من شرّ الله ؛ لإنّه لا شرّ إلّا من قبله.
والخامس : أن الشيطان يقول إذا كنت ما فعلت شيئا أصلا ، وأنت يا إله الخلق علمت (٢) صدور الوسوسة عنّي ، ولا قدرة لي على مخالفة قدرتك ، وحكمت بها عليّ ، ولا قدرة لي على مخالفة حكمك ، ثم قلت : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) [البقرة : ٢٨٦] ، وقلت : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة : ١٨٥] وقلت :
__________________
ـ مبادىء المعتزلة :
١ ـ وجوب معرفة الله تعالى بالعقل.
٢ ـ إنكار صفات المعاني ، والقول بخلق القرآن.
٣ ـ نفي رؤية الله ـ تعالى ـ لما تقتضيه من التجسيم والجهة.
٤ ـ القول بالحسن والقبيح العقليين.
٥ ـ الله يريد الخير ، ولا يريد الشر ، ويجب عليه فعل الصلاح والإصلاح لعباده.
٦ ـ العبد يخلق أفعال نفسه الاختيارية بقدرة أودعها الله فيه.
٧ ـ وجوب تنفيذ الوعد والوعيد ، ووجوب إرسال الرسل.
٨ ـ مرتكب الكبيرة في منزلة بين المنزلتين ، ولا شفاعة له.
٩ ـ وجوب الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر.
ينظر : نشر الطوالع (٣٨٧) ؛ والفرق بين الفرق : ص ٢٤ ، والملل والنحل للشهرستاني : ص ١٠٥.
(١) في أ : لأعمال.
(٢) في أ : عملت.