(وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج : ٧٨] فمع هذه الأعذار الظّاهرة ، والأسباب القويّة فكيف يجوز في حكمتك ، ورحمتك أن تذمّني ، وتلعنني على شيء خلقته فيّ؟
والسّادس : جعلتني مرجوما ملعونا إما أن يكون بسبب جرم صدر منّي ، أو لا [يكون](١) بسبب جرم صدر منّي.
فإن كان الأول ؛ فقد بطل الجبر ، وإن كان الثّاني ، فهذا محض الظلم ؛ وأنت قلت : (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ) [غافر : ٣١] فيكف يليق هذا بك؟
فإن قال قائل : هذه الإشكالات إنما تلزم على قول من يقول بالجبر ، وأنا لا [أقول](٢) بالجبر ، ولا بالقدر ، بل أقول : الحقّ حالة متوسّطة بين الجبر والقدر ؛ وهو الكسب.
فنقول : هذا ضعيف ؛ لأنه إما أن يكون لقدرة العبد أثر في الفعل على سبيل الاستقلال ، أو لا يكون. فإن كان الأول ، فهو تمام القول بالاعتزال ، وإن كان الثاني ، فهو الجبر المحض ، [والأسئلة](٣) المذكورة واردة على هذا القول ، فيكف يعقل حصول الواسطة؟
قال أهل السّنة والجماعة ـ رحمهمالله ـ أما الإشكالات التي ألزمتموها علينا ، فهي بأسرها واردة عليكم من وجهين :
الأول : أن قدرة العبد إمّا أن تكون معينة لأحد الطرفين ، أو كانت صالحة للطرفين معا ، فإن كان الأول ، فالجبر لازم ، وإن كان الثاني ، فرجحان أحد الطرفين على الآخر ، إمّا أن يتوقف على المرجح ، أو لا يتوقف.
فإن كان الأول ، ففاعل ذلك المرجح يصير الفعل واجب الوقوع ، وعندما لا يفعله يصير الفعل ممتنع الوقوع. وحينئذ يلزمكم كلّ ما ذكرتموه.
وأما الثاني : وهو أن يقال : إن رجحان أحد الطرفين على الآخر لا يتوقف عل مرجّح ؛ فهذا باطل لوجهين :
الأول : أنه لو جاز لك ، لبطل الاستدلال [بترجّح](٤) أحد طرفي الممكن على الآخر على وجود المرجح.
والثّاني : أنّ بهذا التقدير يكون ذلك الرجحان واقعا على سبيل الاتفاق ، ولا يكون
__________________
(١) سقطت في ب.
(٢) في أ : نقول.
(٣) في ب : والسؤالات.
(٤) في أ : بترجيح.