وقيل : الرحمن ليس مشتقا ؛ لأنّ العرب لم تعرفه في قولهم : (وَمَا الرَّحْمنُ) [الفرقان : ٦٠] وأجاب ابن العربيّ عنه : بأنّهم إنّما جهلوا الصّفة دون الموصوف ؛ ولذلك لم يقولوا : ومن الرحمن؟
وقد تبعا موصوفهما في الأربعة من العشرة المذكورة.
وذهب (١) الأعلم الشّنتمريّ (٢) إلى أنّ «الرحمن» بدل من اسم «الله» لا نعت له ، وذلك مبنيّ على مذهبه من أنّ «الرحمن» عنده علم بالغلبة.
واستدلّ على ذلك بأنّه قد جاء غير تابع لموصوف [كقوله تعالى : (الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ)](٣) [الرحمن : ١ ـ ٢] و (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) [طه : ٥].
وقد ردّ عليه السّهيليّ بأنه لو كان بدلا لكان مبيّنا لما قبله ، وما قبله وهو الجلالة الكريمة لا تفتقر إلى تبيين ؛ لأنها أعرف الأعلام ، ألا تراهم قالوا : «وما الرّحمن» ولم يقولوا : وما الله؟
وأما قوله : «جاء غير تابع» فذلك لا يمنع كونه صفة ؛ لأنه إذا علم الموصوف جاز حذفه ، وبقاء صفته ؛ كقوله تبارك وتعالى : (وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ) [فاطر : ٢٨] أي : نوع مختلف [ألوانه](٤) ، وكقول الشاعر [في ذلك المعنى](٥) : [البسيط]
٣٢ ـ كناطح صخرة يوما ليفلقها |
|
فما وهاها وأوهى قرنه الوعل (٦) |
أي : كوعل ناطح ، وهو كثير.
والرحمة لغة : الرقّة والانعطاف ، ومنه اشتقاق الرّحم ، وهي البطن ؛ لانعطافها على الجنين ، فعلى هذا يكون وصفه ـ تعالى ـ بالرحمة مجازا عن إنعامه على عباده ، كالملك إذا عطف على رعيّته أصابهم خيره ، هذا معنى قول أبي القاسم الزمخشريّ ـ رحمهالله تعالى ـ
__________________
(١) في أ : وذكر.
(٢) يوسف بن سليمان بن عيسى الشنتمري الأندلسي ، أبو الحجاج المعروف بالأعلم ، ولد في شنتمرية ٤١٠ ه ، كف بصره في آخر عمره ، من كتبه : شرح ديوان الحماسة ، شرح ديوان زهير بن أبي سلمى ، شرح ديوان علقمة الفحل. توفي ٤٧٦ ه. ينظر وفيات : ٢ / ٢٥٣ ، وإرشاد : ٧ / ٣٠٧ ، ومرآة الجنان : ٣ / ١٥٩ ، ونكت الهميان : ٣١٣ ، والأعلام : ٨ / ٢٣٣.
(٣) سقط في أ.
(٤) سقط في أ.
(٥) سقط في أ.
(٦) البيت للأعشى في ديوانه : ص ١١١ ، وينظر شرح التصريح : ٢ / ٦٦ ، والمقاصد النحوية : ٣ / ٥٢٩ ، والأغاني : ٩ / ١٤٩ ، وأوضح المسالك : ٣ / ٢١٨ ، والرد على النحاة : ص ٧٤ ، وشرح الأشموني : ٢ / ٣٤١ ، وشرح شذور الذهب : ص ٥٠١ ، وشرح ابن عقيل : ص ٤٢١ ، وشرح الأبيات المشكلة الإعراب لأبي علي الفارسي : ٢ / ٥٥١ ، والدر : ١ / ٦٠ ، ٣٢.