[وأما فعل الجوارح ؛ فهو أن يأتي بأفعال دالّة على كون المنعم موصوفا بصفات الكمال والإجلال](١).
واعلم أن أهل العلم ـ رحمهمالله ـ افترقوا في هذا المقام فرقا كثيرة :
فمنهم من قال : إنه لا يجوز عقلا أن يأمر الله عبيده بأن يحمدوه ، واحتجوا عليه بوجوه :
الأول : أن ذلك التحميد ، إما أن يكون بناء على إنعام وصل إليهم ، أو لا بناء عليه ، فالأول باطل ؛ لأن هذا يقتضي أنه ـ تعالى ـ طلب منهم على إنعامه جزاء ومكافأة ، وذلك يقدح في كمال الكرم ، فإنّ الكريم إذا أنعم لم يطالب بالمكافأة.
وأما الثاني : فهو إتعاب للغير ابتداء ، وذلك يوجب الظّلم.
الثاني : قالوا : إنّ الاشتغال بهذا الحمد متعب للحامد ، وغير نافع للمحمود ، لأنه كامل لذاته ، والكامل [لذاته] يستحيل أن يستكمل بغيره ، فثبت أنّ الاشتغال بهذا التحميد عبث وضرر ، فوجب ألا يكون مشروعا.
الثالث : أنّ معنى الإيجاب : أنه لو لم يفعل لاستحقّ العذاب ، فإيجاب حمد الله تعالى معناه : أنه لو لم تشتغل بهذا الحمد ، لعاقبتك ، وهذا الحمد لا نفع له في حقّ الله تبارك وتعالى ، فكان معناه أن هذا الفعل لا فائدة فيه لأحد ، ولو تركته [لعاقبتك](٢) أبد الآباد ، وهذا لا يليق بالحليم الكريم.
والفريق الثاني : قالوا : الاشتغال بحمد الله ـ تعالى ـ سوء أدب من وجوه :
الأول : أنه يجري مجرى مقابلة إحسان الله بذلك الشّكر القليل.
والثاني : أنّ الاشتغال بالشّكر لا يتأتى إلّا مع استحضار تلك النّعم في القلب ، واشتغال القلب بالنعم يمنعه من الاستغراق في معرفة المنعم.
والثالث : أنّ الثناء على الله ـ تعالى ـ عند وجدان النّعمة يدلّ على أنه إنّما أثنى عليه ؛ لأجل الفوز بتلك النعم ، وهذا الرّجل في الحقيقة معبوده ، ومطلوبه إنما هو تلك النّعم ، وحظّ النّفس ، وذلك مقام نازل.
وهذان مردودان بما تقدّم وبأنّ أفعاله وأقواله وأسماءه لا مدخل للعقل فيها ، فقد سمّى روحه ماكرا بقوله تعالى : (وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) [آل عمران : ٥٤] ، ومتكبرا وغير ذلك ممّا تقدّم في أسمائه من قوله تعالى : (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) [البقرة : ١٥] وغيره.
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) سقط في أ.