والجواب : أنّ قوله أوّلا : «تطاول ليلك» فيه التفات ؛ لأنه كان أصل الكلام أن يقول : «تطاول ليلي» ؛ لأنه هو المقصود ، فالتفت من مقام التكلّم إلى مقام الخطاب ، ومن مقام الخطاب إلى الغيبة ، ثمّ من الغيبة إلى التكلّم الذي هو الأصل.
وقرىء شاذّا (١) : «إيّاك يعبد» على بنائه للمفعول الغائب ؛ ووجهها على إشكالها : أن فيها استعارة والتفاتا :
أما الاستعارة : [فإنه استعير](٢) فيها ضمير النصب لضمير الرفع ، والأصل : أنت تعبد ، وهو شائع ؛ كقولهم : «عساك ، وعساه ، وعساني» في أحد الأقوال ؛ وقول الآخر : [الرجز]
٦٨ ـ يا ابن الزّبير طالما عصيكا |
|
وطالما عنّيتنا إليكا (٣) |
فالكاف في «عصيكا» نائبة عن التاء ، والأصل : «عصيت».
وأما الالتفات : فكان من حقّ هذا القارىء أن يقرأ : «إيّاك تعبد» بالخطاب ، ولكنه التفت من الخطاب في «إيّاك» إلى الغيبة في «يعبد» إلّا أن هذا الالتفات غريب ؛ لكونه في جملة واحدة ، بخلاف الالتفات المتقدّم ؛ ونظير هذا الالتفات قوله : [الطويل]
٦٩ ـ أأنت الهلاليّ الّذي كنت مرّة |
|
سمعنا به والأرحبيّ المغلّب (٤) |
فقال : «به» بعد قوله : «أنت» و «كنت».
و «إيّاك» واجب التقديم على عامله ؛ لأنّ القاعدة أنّ المفعول به إذا كان ضميرا ـ لو تأخر عن عامله ـ وجب اتصاله ووجب تقديمه.
وتحرّزوا بقولهم : «لو تأخّر عنه وجب اتصاله» ، من نحو : «الدرهم إياه أعطيتك» لأنك لو أخرت الضمير هنا فقلت : «الدّرهم أعطيتك إيّاه» ، لم يلزم الاتصال ، لما سيأتي بل يجوز : «أعطيتكه».
__________________
(١) قرأ بها : الحسن وأبو مجلز وأبو المتوكل. انظر البحر المحيط : ١ / ١٤٠. وإتحاف : ١ / ٣٦٤.
(٢) سقط في أ.
(٣) البيت لرجل من حمير. ينظر خزانة الأدب : ٤ / ٤٢٨ ، ٤٣٠ ، ولسان العرب (تا) ، والمقاصد النحوية : ٤ / ٥٩١ ، وشرح شواهد الشافية : ص ٤٢٥ ، وشرح شواهد المغني : ٤٤٦ ، ونوادر أبي زيد : ص ١٠٥ ، والجنى الداني : ص ٤٦٨ ، والمقرب : ٢ / ١٨٣٢ ، وسر صناعة الإعراب : ١ / ٢٨٠ ، وشرح الأشموني : ١ / ١٣٣ ، ٣ / ٨٢٣ ، وشرح شافية ابن الحاجب : ٣ / ٢٠٢ ، ومغني اللبيب : ١ / ١٥٣ ، والممتع في التصريف : ١ / ٤١٤. المخصص : ١٧ / ١٤٤ ، أمالي الزجاجي : ٢٣٦ ، المسائل العسكرية : ١٥٨ ، سر الصناعة : ١ / ٢٨١ ، الدر : ١ / ٧٥.
(٤) ينظر رصف المباني : ٢٦ ، المقرب : ١ / ٦٣ ، الهمع : ١ / ٨٧ ، الدرر : ١ / ٦٤ ، تحرير التحبير : ١٢٤ ، الدر : ١ / ٧٥ ، البحر المحيط : ١ / ١٤٢.