ومنه : العبد ؛ لذلّته ، وبعير معبّد : أي مذلّل بالقطران.
وقيل : العبادة التّجرّد ، ويقال : عبدت الله ـ بالتخفيف فقط ـ وعبّدت الرجل ـ بالتشديد فقط ، أي : ذللته واتخذته عبدا.
وفي قوله تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) التفات من الغيبة إلى الخطاب ، إذ لو جرى الكلام على أصله ، لقيل : الحمد لله ، ثم قيل : إيّاه نعبد ، والالتفات : نوع من البلاغة.
قال ابن الخطيب ـ رحمهالله ـ : والفائدة في هذا الالتفات وجوه :
أحدها : أن المصلّي كان أجنبيّا عند الشروع في الصّلاة ، فلا جرم أثنى على الله ـ تعالى ـ بألفاظ الغيبة ، إلى قوله : (يَوْمِ الدِّينِ) ، ثم إنه تعالى كأنه قال له : حمدتني وأقررت بكوني إلها ، ربّا ، رحمانا ، رحيما ، مالكا ليوم الدين ، فنعم العبد أنت ، فرفعنا الحجاب ، وأبدلنا البعد بالقرب ، فتكلّم بالمخاطبة وقل : إياك نعبد.
الثاني : أنّ أحسن السؤال ما وقع على سبيل المشافهة ، [والسبب فيه أن الردّ من الكريم إذا سئل](١) على سبيل المشافهة والمخاطبة بعيد.
ومن الالتفات ـ إلّا كونه عكس هذا ـ قوله تبارك وتعالى : (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ) [يونس : ٢٢] ولم يقل : «بكم» ؛ وقد التفت امرؤ القيس ثلاث التفاتات في قوله : [المتقارب]
٦٧ ـ تطاول ليلك بالأثمد |
|
ونام الخليّ ولم ترقد |
وبات وباتت له ليلة |
|
كليلة ذي العائر الأرمد |
وذلك من نبإ جاءني |
|
وخبّرته عن أبي الأسود (٢) |
وقد خطّأ بعضهم الزمخشريّ ـ رحمهالله تعالى ـ في جعله هذا ثلاثة التفاتات ، وقال : بل هما التفاتان :
أحدهما : خروج من الخطاب المفتتح به في قوله : «ليلك» ، إلى الغيبة في قوله : «وباتت له ليلة».
والثاني : الخروج من هذه الغيبة إلى التكلّم ، في قوله : «من نبأ جاءني وخبّرته».
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) ينظر الأبيات في ديوانه : ص ١٨٥ ، وتخليص الشواهد : ص ٢٤٣ ، وشرح قطر الندى : ص ١٣٦ ، شرح التصريح : ١ / ١٩١ ، ولعمرو بن معديكرب في ديوانه : ص ٢٠٠ ، ولعمرو أو لامرىء القيس في سمط اللآلي : ص ٥٣١ ، ولامرىء القيس بن عابس في المقاصد النحوية : ٢ / ٣٠ ، وله أو لامرىء القيس الكندي أو لعمرو بن معديكرب في شرح شواهد المغني : ٢ / ٧٣٢ ، وأوضح المسالك : ١ / ٢٥٤ ، وجمهرة اللغة : ص ٧٧٥ ، وشرح الأشموني : ١ / ١١٥ ، والتبيان لابن محمد الطيبي : ٢٨٧ ، والكشاف : ١ / ١٤ ، البحر المحيط : ١ / ١٤٢ ، الدر : ١ / ٧٥.