ويا للعجب من أبي حنيفة ـ رضي الله تعالى عنه ـ أنه تمسّك في وجوب مسح النّاصية بخبر واحد ، في أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ مسح على النّاصية ، فجعل ذلك القدر من المسح شرطا لصحة الصلاة ، وها هنا نقل أهل العلم نقلا متواترا أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ واظب على قراءة الفاتحة ، ثم قال : إن صحّة الصّلاة غير موقوفة عليها ، وهذا من العجائب.
الثاني : قوله تعالى : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) [البقرة : ٤٣] ، والصلاة لفظ محلّى بالألف واللام ، فيكون المراد منها المعهود السّابق ، وليس عند المسلمين معهود سابق من لفظ الصّلاة إلا الأعمال التي كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يأتي بها.
وإذا كان كذلك كان قوله تعالى : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) جاريا مجرى أمره بقراءة الفاتحة ، وظاهر الأمر [الوجوب](١) ، ثم إنّ هذه اللّفظة تكررت في القرآن الكريم أكثر من مائة مرة ، فكان ذلك دليلا قاطعا على وجوب قراءة الفاتحة في الصّلاة.
الثالث : أنّ الخلفاء الراشدين ـ رضي الله تعالى عنهم ـ واظبوا على قراءتها طول عمرهم ، ويدلّ عليه ما روي في «الصّحيحين» أن النّبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ وأبا بكر وعمر ـ رضي الله تعالى عنهما ـ كانوا يستفتحون القراءة ب (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)(٢) ، وإذا ثبت هذا وجب علينا ذلك ، لقوله عليه الصلاة والسلام : «عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين من بعدي» (٣).
ولقوله عليه الصلاة والسلام : «اقتدوا باللّذين من بعدي : أبي بكر وعمر» رضي الله عنهما.
والعجب من أبي حنيفة ـ رحمهالله ـ أنه تمسّك بطلاق الفارّ بأثر عثمان (٤) ـ رضي الله
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) أخرجه مسلم في الصحيح (١ / ٢٩٩) كتاب الصلاة (٤) باب حجة من قال لا يجهر بالبسملة (١٣) حديث رقم (٥٢ / ٣٩٩). والنسائي في السنن كتاب الافتتاح باب رقم (٢٠). وأحمد في المسند (٣ / ٢٠٣ ، ٢٠٥ ، ٢٢٣ ، ٢٥٥ ، ٢٧٣ ، ٢٧٨) ، (٥ / ٥٥).
(٣) أخرجه أبو داود في السنن (٢ / ٦١١) كتاب السنة باب في لزوم السنّة حديث رقم (٤٦٠٧). والترمذي في السنن حديث رقم (٢٦٧٦) ـ وابن ماجه في السنن حديث رقم (٤٢) ـ وأحمد في المسند (٤ / ١٢٦ ، ١٢٧) ـ والطبراني في الكبير (١٨ / ٢٤٦ ، ٢٤٧ ، ٢٤٨ ، ٢٤٩ ، ٢٥٧). وابن حبان في الموارد حديث رقم (١٠٢) ـ وذكره المنذري في الترغيب (١ / ٧٨) ـ وابن عبد البر في التمهيد (٨ / ٦٦ ، ١١٦) وابن حجر في فتح الباري (٣ / ٢٩٢).
(٤) عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس الأموي أبو عمرو المدني ذو النورين ، وأمير المؤمنين ، ومجهز جيش العسرة وأحد العشرة وأحد الستة ، هاجر الهجرتين ، له مائة وستة وأربعون حديثا ، وعنه أبناؤه أبان وسعيد وعمرو وأنس ومروان بن الحكم وخلق ، وقال ابن سيرين : كان يحيي ـ