قلنا : بل هذا يدلّ على عدم الجواز ؛ لأن التكليف بالصّلاة دائم ، والأصل في الثابت البقاء ، خالفنا هذا الأصل عند الإتيان بالصّلاة على صفة الكمال ، فعند الإتيان بها على سبيل النّقصان يوجب ألّا يخرج عن العهدة ، والذي يقوي هذا أنّ عند أبي حنيفة ـ رضي الله عنه ـ يصح الصوم في يوم العيد إلّا أنه قال : لو صام يوم العيد قضاء عن رمضان لم يصح ؛ لأن الواجب عليه هو الصّوم الكامل ، والصوم في هذا اليوم ناقص ، فوجب ألا يفيد هذا القضاء الخروج عن العهدة.
وإذا ثبت هذا فنقول : فلم لم يقل بمثل هذا الكلام ها هنا؟
الحجّة الثامنة : نقل الشيخ أبو حامد في «تعليقه» عن ابن المنذر (١) أنه روى بإسناده عن أبي هريرة ـ رضي الله تعالى عنه ـ أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «لا تجزىء صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب».
الحجّة التاسعة : روى رفاعة بن مالك (٢) ـ رضي الله عنه ـ أن رجلا دخل المسجد فصلّى ، فلما فرغ من صلاته ، ذكر في الخبر أن الرجل قال : علّمني الصّلاة يا رسول الله ، فقال عليه الصلاة والسلام : «إذا توجّهتم إلى القبلة فكبّروا ، واقرءوا بفاتحة الكتاب» (٣) ، وهذا أمر ، والأمر للوجوب.
الحجّة العاشرة : روي أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «ألا أخبركم بسورة ليس في التّوراة ولا في الإنجيل ولا في الزّبور مثلها» ، قالوا : نعم ، قال : «فما تقرءونه في صلاتكم»؟ فقالوا : الحمد لله ربّ العالمين ، قال : «هي هي».
وجه الدليل : أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ لما قال : «ما تقرءونه في صلاتكم»؟ قالوأ : الحمد لله رب العالمين (٤) ، وهذا يدل على أنه كان مشهورا عند الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ أنه لا يصلي أحد إلّا بهذه السورة ، فكان هذا إجماعا معلوما عندهم.
__________________
(١) أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر ، النيسابوري ، الفقيه ، أحد الأئمة الأعلام ، ومحمد يقتدى بفعله في الحلال والحرام ، صنف كتبا منها : الإشراف في معرفة الخلاف ، والأوسط وهو أصل الإشراف ، والإقناع والتفسير وغير ذلك. سمع محمد بن الحكم ، والربيع بن سليمان ، وكان مجتهدا لا يقلد أحدا ، مات سنة ٣٢٩.
انظر. ط ابن قاضي شهبة : ١ / ٩٨ ، ط. السبكي : ٢ / ١٢٦ ، تذكرة الحفاظ : ٣ / ٧٨٢.
(٢) رفاعة بن رافع بن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق بن عبد حارثة بن عضب بن جشم بن الخزرج الزرقي أبو معاذ المدني ، بدري جليل. له أحاديث ، انفرد له البخاري بثلاثة أحاديث ، وعنه ابناه معاذ وعبيد. مات في أول خلافة معاوية. ينظر تهذيب التهذيب : ٣ / ٢٣٢ ، تقريب التهذيب : ١ / ٢٤١ ، تاريخ البخاري الكبير : ٣ / ٢٩٩ ، الجرح والتعديل : ٣ / ١٥٩ ، أسد الغابة : ٢ / ١٩٧ ، ١٩٨.
(٣) أخرجه الطبراني في الكبير : (٥ / ٣٢) بلفظ إذا توجهت إلى القبلة فكبر ـ وذكره الهندي في كنز العمال حديث رقم ١٩٦٣٠ ، ١٩٦٣١.
(٤) أخرجه الدارقطني في السنن (١ / ٣٣١) باب وجوب قراءة أم الكتاب في الصلاة وخلف الإمام.