__________________
ـ ويرى فريق آخر : أن معناه الاعتبار ؛ كما نصّ على ذلك الزركشيّ في البحر المحيط بعد أن حكى أن المشهور في معنى القياس لغة : هو تقدير شيء على مثال شيء آخر ، وتسويته به ، وفي هذا يقول : وقيل : القياس مصدر قست الشيء ، إذا اعتبرته ، ومنه قيس الرأي ، وامرؤ القيس ، لاعتبار الأمور برأيه ، وقسته ، بضم القاف ، أقوسه قوسا ، ذكر هذه اللغة الجوهريّ في «صحاحه» ، فهذه الصيغة من ذوات الياء والواو.
وفي «البرهان» : القياس في اللغة : التمثيل والتّشبيه.
وقال الماورديّ في «الحاوي» ، والرّويانيّ في كتاب «القضاء» : القياس في اللّغة مأخوذ من المماثلة ؛ يقال : هذا قياس هذا ، أي : مثله.
ويرى ابن السّمعانيّ في «القواطع» : أن القياس مأخوذ من الإصابة ؛ يقال : قست الشيء ، إذا أصبته ؛ لأن القياس يصاب به الحكم.
قال الشيخ محمد أحمد سلامة في رسالته في القياس : وخلاصة ما يؤخذ من كتب الأصول من بيان معنى القياس لغة سبعة معان.
الأول : أن معناه التقدير ، والمساواة من لوازمه.
الثاني : أن معناه التقدير والمساواة ، والمجموع منهما على سبيل الاشتراك اللفظي بين الثلاثة.
الثالث : أن معناه التقدير فقط ، وهو كلّيّ تحته فردان ، استعلام القدر والتسوية ، فهو مشترك اشتراكا معنويا.
الرابع : أنّ معناه الاعتبار.
الخامس : أنّ معناه التمثيل والتّشبيه.
السادس : أنّه المماثلة.
السابع : أنّه الإصابة.
ولا يخفى وجه نقل القياس إلى المعنى الاصطلاحي ، على المعنى الرابع والخامس والسادس ، أما على المعنى السابع فوجه نقله أنّ القياس يصاب به الحكم ، والمعنى المشهور من كلّ ذلك هي الثلاثة الأول ؛ لذلك اقتصر عليها الكمال ابن الهمام ، ورجح المعنى الثالث منها ؛ وهو كونه مشتركا معنويا بين معنيين ؛ استعلام القدر ، والتسوية في مقدار ، ونسب ذلك إلى الأكثر بقوله : ولم يزد الأكثر ك «فخر الإسلام» ، وشمس الأئمة «السرخسيّ» و «حافظ الدين النّسفيّ» وغيرهم على أنّ معنى القياس لغة : التقدير واستعلام القدر ، والتسوية في مقدار ، فردّا مفهوم التقدير مع نفيه كون القياس مشتركا لفظيّا فيهما أو في المجموع ، ونفيه كونه حقيقة في التقدير ، مجازا في المساواة».
وقوّاه شارحه ؛ بأن القياس باعتبار صدق معناه الذي هو التقدير على معنييه ؛ أعني استعلام القدر والتسوية ، من قبيل التواطؤ ، والتواطؤ مقدّم على كلّ من الاشتراك اللفظيّ ، كما هو الرأي الأوّل ، والمجاز ، كما هو الرأي الثاني ، إذا أمكن ، وقد أمكن وهو الراجح ؛ لأن التواطؤ ليس فيه تعدّد وضع ، ولا احتياج إلى قرينة ، لأنّه حقيقة في كل أفراده ، بخلاف المشترك اللّفظيّ ، فإنّ فيه تعدّد الوضع والمعنى ، والاحتياج إلى قرينة تعيّن المراد من أفراده ، وبخلاف المجاز ؛ فإنّه يحتاج ضرورة إلى قرينة لفهم المعنى المراد من اللّفظ.
وما لا يحتاج إلى شيء في فهم معناه ، أولى ممّا يحتاج.
أما تعريفه من جهة الاصطلاح فقد تنوّعت آراء الأصوليّين القائلين بالقياس في مسمّى اسم «القياس»: فذهب بعض الأصوليّين : إلى أنّه «فعل المجتهد». ـ