وكذا قوله : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [النساء : ٨٢] فكيف يأمر بالتدبّر لمعرفة نفي التّناقض والاختلاف ، وهو غير مفهوم للخلق؟ ومنها قوله تعالى : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) [الشعراء : ١٩٣ ـ ١٩٥] ، فلو لم يكن مفهوما بطل كون الرسول ـ عليهالسلام ـ منذرا به ، وأيضا قوله : (بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) يدلّ على أنه نازل بلغة العرب ، وإذا كان كذلك وجب أن يكون مفهوما.
ومنها قوله تعالى : (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) [النّساء : ٨٣] ، والاستنباط منه لا يمكن إلّا مع الإحاطة بمعناه.
ومنها قوله تعالى : (تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) [النحل : ٨٩].
وقوله تعالى : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) [الأنعام : ٣٨].
وقوله تعالى : (وَهُدىً لِلنَّاسِ) [البقرة : ١٨٥] ، (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) [البقرة : ٢] ، وغير المعلوم لا يكون هدى.
وقوله تعالى : (وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) [يونس : ٥٧] وكل هذه الصفات لا تحصر في غير المعلوم.
وقوله تبارك وتعالى : (قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ) [المائدة : ١٥].
وقوله تعالى : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [العنكبوت : ٥١] فكيف يكون الكتاب كافيا وكيف يكون ذكره مع أنه غير مفهوم؟
وقوله تعالى : (هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ) [إبراهيم : ٥٢] ، فكيف يكون بلاغا؟ وكيف يقع به الإنذار ، مع أنه غير معلوم؟
وقال في آخر الآية : (وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) ، وإنما يكون كذلك لو كان معلوما.
وقوله تعالى : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) [الإسراء : ٩] فكيف يكون هاديا ، مع أنه غير معلوم ، ومن الأخبار قوله عليه الصّلاة والسّلام : «إنّي تركت فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي أبدا كتاب الله وسنّتي» (١) فكيف يمكن التمسّك به وهو غير معلوم؟
وعن علي بن أبي طالب ـ رضي الله تعالى عنه ـ أنه ـ عليه الصلاة والسّلام ـ قال :
__________________
(١) أخرجه أبو داود في السنن (١ / ٥٨٥ ـ ٥٨٩) مطولا عن جابر بن عبد الله كتاب المناسك باب صفة حجة النبي صلىاللهعليهوسلم حديث رقم (١٩٠٥).
وابن ماجه في السنن (٢ / ١٠٢٢ ـ ١٠٢٧) مطولا عن جابر بن عبد الله كتاب المناسك (٢٥) باب حجة رسول الله ت (٨٤) حديث رقم (٣٠٧٤) ـ وأحمد في المسند (٣ / ٢٦).