ولأن القول بأن هذه الفواتح غير معلومة مروي عن أكابر الصّحابة رضي الله عنهم فوجب أن يكون حقّا ، لقوله عليه الصلاة والسلام : «أصحابي كالنّجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم» (١).
وأما المعقول فهو أنّ الأفعال التي كلّفنا الله تعالى بها قسمان : منها ما يعرف وجه الحكمة فيه على الجملة بعقولنا كالصّلاة والزكاة والصّوم ، فإنّ الصّلاة تضرّع محض ، وتواضع للخالق ، والزكاة سعي في دفع حاجة الفقير ، والصّوم سعي في كسر الشهوة.
ومنها ما لا يعرف وجه الحكمة فيها على الجملة بعقولنا كأفعال الحجّ في رمي الجمرات ، والسّعي بين الصفا والمروة ، والرّمل ، والاضطباع.
ثم اتفق المحققون على أنه كما يحسن من الله ـ تعالى ـ أن يأمر عباده بالنوع الأول ، فكذا يحسن الأمر بالنوع الثاني ؛ لأنّ الطّاعة في النوع الأول ، تدلّ على كمال الانقياد والتسليم ، لاحتمال أن المأمور إنما أتى به لما عرف بعقله من وجه المصلحة فيه.
أما الطاعة في النوع الثاني ، فإنها تدلّ على كمال الانقياد والتسليم ، فإذا كان الأمر كذلك في الأفعال ، فلم لا يجوز أيضا أن يكون [الأمر] كذلك في الأقوال؟ وهو أن يأمر الله ـ تعالى ـ تارة أن نتكلم بما نقف على معناه ، وتارة بما لا نقف على معناه ، ويكون المقصود من ذلك ظهور الانقياد والتّسليم.
القول الثّاني : قول من زعم أنّ هذه الفواتح معلومة ، واختلفوا فيه ، وذكروا وجوها :
الأوّل : أنها أسماء السّور ، وهو قول أكثر المتكلّمين ، واختيار الخليل وسيبويه رحمهماالله تعالى.
قال القفّال ـ رحمهالله تعالى ـ وقد سمّت العرب هذه الحروف أشياء فسموا ب «لام» : والد حارثة بن لام الطّائي ، وكقولهم للنّخاس : «صاد» ، وللنقد : «عين» ، وللسحاب : «غين».
وقالوا : جبل «قاف» ، وسموا الحوت : «نونا».
الثاني : أنها أسماء الله تعالى ، روي عن علي ـ رضي الله تعالى عنه ـ أنه كان يقول : يا حم عسق.
الثالث : أنها أبعاض أسماء الله تعالى.
__________________
(١) ذكره الذهبي في ميزان الاعتدال حديث رقم ١٥١١ ، ٢٢٩٩ ، وابن حجر في لسان الميزان ٢ / ٤٨٨ ، ٥٩٤ ـ والعجلوني في كشف الخفاء ١ / ١٤٧ ـ والزبيدي في الإتحاف ٢ / ٢٢٣ والحديث رواه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (٢ / ٩١) عن جابر مرفوعا وقال ابن عبد البر : هذا إسناد لا تقوم به حجة لأن الحارث بن غصين مجهول.