وعلى كل واحد من هذين التقديرين إشكال ؛ لأن تقديره متصلا يلزم منه اتصال الضّمير مع اتحاد الرّتبة ، وهو واجب الانفصال ، وتقديره منفصلا يمنع حذفه ؛ لأنّ العائد متى كان منفصلا امتنع حذفه ، نصّوا عليه ، وعللوا بأنه لم يفصل إلا لغرض ، وإذا حذف فاتت الدّلالة على ذلك الغرض.
ويمكن أن يجاب عن الأوّل بأنه لما اختلف الضّميران جمعا وإفرادا ـ وإن اتحدا رتبة ـ جاز اتصاله ؛ ويكون كقوله : [الطويل]
١٢٦ ـ فقد جعلت نفسي تطيب لضغمة |
|
لضغمهماها يقرع العظم نابها (١) |
وأيضا فإنه لا يلزم من منع ذلك ملفوظا به منعه مقدّرا لزوال القبح اللفظي.
وعن الثّاني : بأنه إنما يمنع لأجل اللّبس الحاصل ، ولا لبس هنا.
الثّاني : يجوز أن تكون نكرة موصوفة ، والكلام في عائدها كالكلام في عائدها موصولة تقديرا واعتراضا وجوابا.
الثّالث : أن تكون مصدرية ، ويكون المصدر واقعا موقع المفعول أي : مرزوقا.
وقد منع أبو البقاء هذا الوجه قال : «لأنّ الفعل لا يتفق» ، وجوابه ما تقدّم من أنّ المصدر يراد به المفعول. والرزق لغة : العطاء ، وهو مصدر ؛ قال تعالى : (وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً) [النحل : ٧٥] وقال الشّاعر : [البسيط]
١٢٧ ـ رزقت مالا ولم ترزق منافعه |
|
إنّ الشّقيّ هو المحروم ما رزقا (٢) |
وقيل : يجوز أن يكون «فعلا» بمعنى «مفعول» نحو : «ذبح» ، و «رعي» بمعنى : «مذبوح» ، و «مرعيّ».
وقيل : «الرّزق» ـ بالفتح ـ مصدر ، وبالكسر اسم ، وهو في لغة أزد شنوءة : الشّكر ، ومنه : (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) [الواقعة : ٨٢].
وقال بعضهم : ويدخل فيه كل ما ينتفع به حتى الولد والعبد.
وقيل : هو نصيب الرجل ، وما هو خاص له دون غيره.
ثم قال بعضهم : الرزق كل شيء يؤكل أو يستعمل ، وهو باطل ؛ لأن الله ـ تعالى ـ أمرنا بأن ننفق مما رزقنا فقال : (وَأَنْفِقُوا مِنْ ما) [المنافقون : ١٠] ، فلو كان الرزق هو الذي يؤكل لما أمكن إنفاقه.
__________________
(١) البيت لمغلس بن لقيط ينظر خزانة الأدب : ٥ / ٣٠١ ، ٣٠٣ ، ٣٠٥ ، وتخليص الشواهد : ص ٩٤ ، وشرح شواهد الإيضاح : ص ٧٥ ، والمقاصد النحوية : ١ / ٣٣٣ ، وأمالي ابن الحاجب : ص ٣٨١ ، والكتاب : ٢ / ٣٦٥ ، ولسان العرب (ضغم) ، شرح المفصل : ٣ / ١٠٥ ، القرطبي : ١ / ١٥٩ ، الدر المصون : ١ / ٩٧.
(٢) ينظر البيت في البحر : ١ / ١٦٣ ، الدر : ١ / ٩٨.