وقال آخرون : الرزق هو ما يملك وهو باطل أيضا ؛ لأن الإنسان قد يقول : اللهم ارزقني ولدا صالحا ، أو زوجة صالحة ، وهو لا يملك الولد ولا الزّوجة ، ويقول : اللهم أرزقني عقلا أعيش به ، والعقل ليس بمملوك ، وأيضا البهيمة يحصل لها رزق ولا يكون لها ملك. وأما في عرف الشّرع فقد اختلفوا فيه ، فقال أبو الحسن البصري : الرزق تمكين الحيوان من الانتفاع بالشيء ، والحظر على غيره أن يمنعه من الانتفاع به.
فإذا قلنا : قد رزقنا الله الأموال ، فمعنى ذلك أنه مكّننا بها من الانتفاع بها ، وإذا سألنا ـ تعالى ـ أن يرزقنا مالا فإنا نقصد بذلك أن يجعلنا بالمال أخصّ.
واعلم أن المعتزلة لما فسّروا الرزق بذلك لا جرم قالوا : الحرام لا يكون رزقا.
وقال أصحابنا : الحرام قد يكون رزقا.
قال ابن الخطيب (١) : حجّة الأصحاب من وجهين :
الأول : أنّ الرزق في أصل اللغة هو الحظ والنصيب على ما بيناه ، فمن انتفع بالحرام ، فذلك الحرام صار حظّا ونصيبا ، فوجب أن يكون رزقا له.
الثّاني : أنه تعالى قال : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها) [هود : ٦] ، وقد يعيش الرجل طول عمره لا يأكل إلا من السّرقة ، فوجب أن يقال : إنه طول عمره لم يأكل من رزقه شيئا.
أما المعتزلة : فقد احتجّوا بالكتاب ، والسّنة ، والمعنى :
أما الكتاب فوجوه :
أحدها : قوله تعالى : (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) [البقرة : ٣] مدحهم على الإنفاق مما رزقهم الله تعالى فلو كان الحرام رزقا لوجب أن يستحقوا المدح إذا أنفقوا من الحرام ، وذلك باطل بالاتفاق.
ثانيا : لو كان الحرام رزقا لجاز أن ينفق الغاصب منه ، لقوله تعالى : (وَأَنْفِقُوا مِنْ ما) [المنافقون : ١٠] ، وأجمع المسلمون على أنّه لا يجوز للغاصب أن ينفق [مما أخذه](٢) ، بل يجب عليه ردّه ، فدلّ على أنّ الحرام لا يكون رزقا.
ثالثها : قوله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ) [يونس : ٥٩] فبين أن من حرم رزق الله ، فهو مفتر على الله ، فثبت أن الحرام لا يكون رزقا.
وأما السّنة فما رواه أبو الحسين في كتاب «الفرائض» بإسناده عن صفوان بن أمية (٣)
__________________
(١) ينظر الفخر الرازي : ٢ / ٢٨.
(٢) سقط في أ.
(٣) صفوان بن أمية بن خلف بن وهب بن حذافة الجمحي القرشي أبو وهب من مسلمة الفتح. وكان من المؤلفة قلوبهم ، روى عنه ابنه أمية وطاوس وعطاء وأعار النبي صلىاللهعليهوسلم يوم حنين سلاحا كثيرا. قال الهيثم : ـ