قال : «كنا عند رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ إذ جاءه عمرو بن مرّة (١) فقال له : يا رسول الله إنّ الله كتب عليّ الشّقوة ، فلا أراني أرزق إلّا من دفّي بكفّي ، فائذن لي في الغناء من غير فاحشة. فقال عليه الصّلاة والسلام : «لا آذن لك ولا كراهة ولا نعمة كذبت أي عدوّ الله لقد رزقك الله [رزقا](٢) طيبا فاخترت ما حرّم الله عليك من رزقه على ما أحلّ الله لك من حلاله ، أما وإنك لو قلت بعد هذه المقدّمة شيئا ضربتك ضربا وجيعا» (٣).
وأما المعنى فإنّ الله ـ تعالى ـ منع المكلّف من الانتفاع به ، وأمر غيره بمنعه من الانتفاع به ، ومن منع من أخذ الشيء والانتفاع به لا يقال : إنه رزقه إياه ، ألا ترى أنه لا يقال : إن السلطان قد رزق جنده مالا قد منعهم من أخذه ، وإنما يقال : إنه رزقهم ما مكّنهم من أخذه ، ولا يمنعهم منه ، ولا أمر بمنعهم منه.
وأجاب أصحابنا عن التمسّك بالآيات بأنه وإن كان الكلّ من الله ، فإنه لا يضاف إليه ذلك ؛ لما فيه من سوء الأدب ، كما يقال : يا خالق المحدثات والعرش والكرسي ، ولا يقال : يا خالق الكلاب والخنازير ، وقال : (يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ) [الإنسان : ٩] فخصّ اسم العباد بالمتّقين ، وإن كان الكفّار أيضا من العباد ، وكذلك هاهنا خصّ اسم الرزق بالحلال على سبيل التشريف ، وإن كان الحرام رزقا أيضا.
وأجابوا عن التمسّك بالخبر بأنه حجّة لنا ؛ لأن قوله عليه الصلاة والسلام : «فاخترت ما حرّم الله عليك من رزقه» صريح في أن الرزق قد يكون حراما.
وأجابوا عن المعنى بأن هذه المسألة محض اللغة ، وهو أن الحرام هل يسمى رزقا أم لا؟ ولا مجال للدلائل العقلية في الألفاظ ، والله أعلم.
و «نفق» الشيء : نفد ، وكلّ ما جاء مما فاؤه نون ، وعينه فاء ، فدالّ على معنى ونحو ذلك إذا تأملت ، قاله الزمخشري ، وذلك نحو : نفد نفق نفر «نفذ» «نفش» «نفح» «نفخ» «نفض» «نفل».
__________________
ـ مات سنة إحدى وأربعين ينظر الخلاصة : ١ / ٤٦٩ ، طبقات ابن سعد ٥ / ٤٤٩ ، تاريخ البخاري الكبير : ت (٢٩٢٠) ، والكاشف : ت (٢٤١٦).
(١) عمرو بن مرّة الجهني ، أبو طلحة أو أبو مريم ، صحابي له حديث روى عنه أبو الحسن الجزري. مات في خلافة عبد الملك. ينظر الخلاصة : ٢ / ٢٩٦ (٥٣٨٣). أسد الغابة : ٤ / ٢٦٩ ـ ٢٧٠ ، وتهذيب التهذيب : ٨ / ١٠٣ ـ ١٠٤.
(٢) سقط في أ.
(٣) أخرجه ابن ماجه في سننه (٢ / ٨٧٢) رقم (٢٦١٣) عن صفوان بن أمية.
قال البوصيري في «الزوائد» (٢ / ٣٢٩) : هذا إسناد ضعيف بشر بن نمير البصري قال فيه يحيى بن سعيد القطان : كان ركنا من أركان الكذب وقال أحمد : ترك الناس حديثه وقال البخاري : ترك الناس حديثه وقال أبو حاتم : متروك وقال النسائي : غير ثقة. ويحيى بن العلاء قال فيه أحمد : كان يضع الحديث وقال ابن عدي : أحاديثه لا يتابع عليها وكلها غير محفوظة.