و «غشاوة» مبتدأ ، وجاز الابتداء بها لأن النكرة متى كان خبرها ظرفا ، أو حرف جر تاما ، وقدم عليها جاز الابتداء بها ، [ويكون تقديم الخبر حينئذ واجبا ؛ لتصحيحه الابتداء بالنكرة](١) ، والآية من هذا القبيل ، وهذا بخلاف قوله تعالى : (وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) [الأنعام : ٢] ؛ ويبتدأ بما بعده ، وهو (وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) ف (عَلى أَبْصارِهِمْ) خبر مقدم ، و «غشاوة» مبتدأ مؤخر.
وعلى الاحتمال الثاني يوقف على «قلوبهم» ، وإنما كرر حرف الجر ؛ ليفيد التأكيد ويشعر ذلك بتغاير الختمين ، وهو : أن ختم القلوب غير ختم الأسماع.
وقد فرق النحويون بين «مررت بزيد وعمرو» وبين «مررت بزيد وبعمرو» فقالوا في الأول هو ممرور واحد ، وفي الثاني هما ممروران ، وهو يؤيد ما قلته ، إلا أن التعليل بالتأكيد يشمل الإعرابين ، أعني : جعل (وَعَلى سَمْعِهِمْ) معطوفا على قوله : «على قلوبهم» ، وجعله خبرا مقدما.
وأما التعليل بتغاير الختمين فلا يجيء إلا على الاحتمال الأول ، وقد يقال على الاحتمال الثاني أن تكرير الحرف يشعر بتغاير الغشاوتين ، وهو أنّ الغشاوة على السّمع غير الغشاوة على البصر ، كما تقدم ذلك في الختمين.
وقرىء (٢) : غشاوة بالكسر والنصب ، وبالفتح والنصب وبالضمّ والرفع ، وبالكسر والرفع ـ و «غشاوة» بالفتح والرفع والنصب ـ و «عشاوة» بالعين المهملة ، والرفع من العشا.
فأما النصب ففيه ثلاثة أوجه :
الأول : على إضمار فعل لائق ، أي : وجعل على أبصارهم غشاوة ، وقد صرح بهذا العامل في قوله تعالى : (وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً) [الجاثية : ٢٣].
والثاني : الانتصاب على إسقاط حرف الجر ، ويكون (عَلى أَبْصارِهِمْ) معطوفا على ما قبله ، والتقدير : ختم الله على قلوبهم ، وعلى سمعهم ، وعلى أبصارهم بغشاوة ، ثم حذف حرف الجر ، فانتصب ما بعده ؛ كقوله : [الوافر]
١٥٩ ـ تمرّون الدّيار فلم تعوجوا |
|
كلامكم عليّ إذن حرام (٣) |
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) رواه المفضل الضبي عن عاصم يعني ـ غشاوة ـ ، وبالضم والرفع قرأ الحسن وزيد بن علي ، وقرأ أبو جعفر بفتح الغين.
انظر الشواذ : ٢ ، والحجة للقراء السبعة : ١ / ٢٩١ ، وإعراب القراءات : ١ / ٦١ ، البحر المحيط : ١ / ١٧٧ ، وإتحاف فضلاء البشر : ١ / ٣٧٧ ، والقرطبي : ١ / ١٣٤.
(٣) البيت لجرير ينظر ديوانه : ص ٢٧٨ ، والأغاني : ٢ / ١٧٩ ، وتخليص الشواهد : ص ٥٠٣ ، وخزانة الأدب : ٩ / ١١٨ ، ١١٩ ، ١٢١ ، والدرر : ٥ / ١٨٩ ، وشرح شواهد المغني : ١ / ٣١١ ، ولسان العرب ـ