التولي خير ، فيلزم أن يكون قد علم فيهم خيرا ، وما علم فيهم خيرا. وأما الخبر فقوله عليه الصلاة والسلام : «نعم الرّجل صهيب (١) لو لم يخف الله لم يعصه» فعلى مقتضى قولهم : يلزم أنه خاف الله وعصاه ، وذلك مناقض ، فعلمنا أن كلمة «لو» إنما تفيد الربط.
و «شاء» أصله : «شيء» على «فعل» بكسر العين ، وإنما قلبت «الياء» «ألفا» للقاعدة الممهدة ومفعوله محذوف تقديره : ولو شاء الله إذهابا ؛ وكثر (٢) حذف مفعوله ومفعول «أراد» ، حتى لا يكاد ينطق به إلا في الشيء المستغرب ؛ كقوله تعالى : (لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً) [الزمر : ٤] ؛ وأنشدوا : [الطويل]
٢٧٠ ـ ولو شئت أن أبكي دما لبكيته |
|
عليه ولكن ساحة الصّبر أوسع (٣) |
واللام في «لذهب» جواب «لو».
واعلم أن جوابها يكثر دخول «اللام» عليه مثبتا ، وقد تحذف ؛ قال تعالى : (لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً) [الواقعة : ٧٠].
ويقلّ دخولها عليه منفيا ب «ما» ، ويمتنع دخولها عليه منفيّا بغير «ما» ؛ نحو : «لو قمت لم أقم» ؛ لتوالي لامين (٤) فيثقل ، وقد يحذف ؛ كقوله : [الكامل]
٢٧١ ـ لا يلفك الرّاجوك إلّا مظهرا |
|
خلق الكرام ولو تكون عديما (٥) |
و «بسمعهم» متعلّق ب «ذهب».
وقرىء (٦) «لأذهب» فتكون «الياء» زائدة أو تكون فعل وأفعل بمعنى ، ونحوه (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) [المؤمنون : ٢٠] والمراد من السمع : الأسماع ، أي : لذهب بأسماعهم وأبصارهم الظاهرة كما ذهب بأسماعهم وأبصارهم الباطنة.
__________________
(١) صهيب بن سنان الرومي أبو يحيى النمري ، سبته الروم فابتاعته كلب فقدمت به مكة فابتاعه ابن جدعان فأعتقه ، صحابي مشهور ، شهد بدرا له أحاديث ، انفرد له البخاري بحديث ومسلم بثلاثة وعنه ابن عمر ، وابن أبي ليلى وابن المسيب. قال ابن سعد : مات بالمدينة سنة ثمان وثلاثين ، وقال يعقوب بن سفيان : سنة أربع وصلى عليه سعد. ينظر الخلاصة : ١ / ٤٧٢ (٣١١٦) ، تهذيب الكمال : ٢ / ٦١٣ ، تهذيب التهذيب : ٤ / ٤٣٨ ، تقريب التهذيب : ١ / ٣٧٠ ، الكاشف : ٢ / ٣٢.
(٢) في أ : وكثير.
(٣) البيت لإسحاق الخزيمي. ينظر الكامل : (٤ / ٣) ؛ الدلائل : (١١٦) ، شرح الحماسة : (٣ / ١٠٥٣) ، الدر المصون : (١ / ١٤٣).
(٤) في أ : الاثنين.
(٥) البيت ينظر في جواهر الأدب : ص ٢٦٧ ، شرح التصريح : ٢ / ٢٥٦ ، وشرح شواهد المغني : ٢ / ٤٤٦ ، ومغني اللبيب : ١ / ٢٦١ ، والمقاصد النحوية : ٤ / ٤٦٩ ، وشرح الأشموني : ٣ / ٦٠٠ ، والجنى الداني : ص ٢٨٥ ، الدر المصون : (١ / ١٤٤).
(٦) قرأ بها ابن أبي عبلة.
انظر المحرر الوجيز : ١ / ١٠٤ ، والبحر المحيط : ١ / ٢٣٠ ، والدر المصون : ١ / ١٤٤.