الناقصة ، فزعم أنّه لقوة «كان» أنّ «إن» الشرطية لا تقلب معناها إلى الاستقبال ، بل تكون على معناها من المضيّ ، وتبعه في ذلك أبو البقاء ، وعلل ذلك بأن كثيرا استعملوها غير دالّة على حدث (١) ، وهذا مردود عند الجمهور ، لأن التعليق إنما يكون في المستقبل ، وتأولوا ما ظاهره غير ذلك نحو : (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ) [يوسف : ٢٦] إما بإضمار «يكن» بعد «إن» ، وإما على التبيين ، والتقدير : «إن يكن قميصه ، أو إن يتبين كون قميصه» ولما خفي هذا المعنى على بعضهم جعل «إن» هنا بمنزلة «إذ» وقوله : «في ريب» مجاز من حيث إنه جعل الريب ظرفا محيطا بهم ، بمنزلة المكان لكثرة وقوعه منهم.
و «ممّا» يتعلّق بمحذوف ؛ لأنه صفة لريب ، فهو في محل جرّ ، و «من» للسّببية ، أو لابتداء الغاية ، ولا يجوز أن تكون للتبعيض ، ويجوز أن تتعلّق ب «ريب» أي : إن ارتبتم من أجل ، ف «من» هنا للسّببية ، و «ما» موصولة أو نكرة موصوفة ، والعائد على كلا القولين محذوف ، أي : نزلناه (٢) ، والتضعيف في «نزّلنا» هنا للتعدية مرادفا لهمزة التعدي ، ويدلّ عليه قراءة (٣) «أنزلنا» بالهمز ، وجعل الزمخشري التضعيف هنا دالّا على نزوله منجما في أوقات مختلفة.
قال بعضهم : «وهذا الذي ذهب إليه في تضعيف الكلمة هنا ، هو الّذي يعبر عنه بالتكثير أي يفعل مرة بعد مرة ، فيدل على ذلك بالتضعيف ويعبر عنه بالكثرة» قال : «وذهل (٤) عن قاعدة ، وهي أن التضعيف الدّال على ذلك من شرطه أن يكون في الأفعال المتعدّية قبل التضعيف غالبا نحو : «جرّحت زيدا ، وفتّحت الباب» ، ولا يقال : «جلّس زيد» و «نزّل» [لأنه](٥) لم يكن متعديا قبل التضعيف ، وإنّ ما جعله متعديا تضعيفه».
وقوله : «غالبا» لأنه قد جاء التضعيف دالّا على الكثرة في اللّازم قليلا نحو : «موّت المال» ، وأيضا فالتضعيف الدّال على الكثرة لا يجعل القاصر متعديا ، كما تقدم في «موّت المال» ، و «نزّل» كان قاصرا ، فصار بالتضعيف متعديا ، فدلّ على أنّ تضعيفه للنقل لا للتكثير ، وأيضا كان يحتاج قوله تعالى : (لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً) [الفرقان : ٣٢] إلى تأويل ، وأيضا فقد جاء التضعيف حيث لا يمكن فيه التكثير ، نحو قوله تعالى : (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ) [الأنعام : ٣٧] ، (لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً) [الإسراء : ٩٥] إلا بتأويل بعيد جدّا ، إذ ليس المعنى على أنهم اقترحوا تكرير نزول [آية ، ولا أنه علق تكرير نزول](٦) ملك رسول على تقدير كون ملائكة في الأرض.
__________________
(١) في أ : حذف.
(٢) في أ : أنزلناه.
(٣) وقرأ بها يزيد بن قطيب. انظر البحر المحيط : ١ / ٢٤٤ ، والدر المصون : ١ / ٢٥١.
(٤) في أ : وذهب.
(٥) سقط في ب.
(٦) سقط في أ.