مفعول أوّل ، أو مفعول ثان ، أو حال مقدّمة (١) ، وأنّ في «بعوضة» تسعة أوجه ، والصواب من ذلك كلّه أن يكون «ضرب» متعدّيا لواحد بمعنى بيّن ، و «مثلا» مفعول به ، بدليل قوله : «ضرب مثل» ، و «ما» صفة للنّكرة ، و «بعوضة» بدل لا عطف بيان ، لأن عطف البيان ممنوع عند جمهور البصريين في النكرات.
وقرأ (٢) إبراهيم بن أبي عبلة والضّحّاك ورؤبة بن العجاج برفع «بعوضة» واتفقوا على أنّها خبر لمبتدأ ، ولكنهم اختلفوا في ذلك المبتدأ ، فقيل : هو «ما» على أنّها استفهامية أي : أيّ شيء بعوضة ، وإليه ذهب الزمخشري ورجّحه.
وقيل : المبتدأ مضمر تقديره : هو بعوضة ، وفي ذلك وجهان :
أحدهما : أن تجعل هذه الجملة صلة ل «ما» لكونها بمعنى الذي ، ولكنّه حذف العائد ، وإن لم تطل الصّلة ، وهذا لا يجوز عند البصريين إلّا في «أيّ» خاصّة لطولها بالإضافة ، وأمّا غيرها فشاذّ ، أو ضرورة كقراءة (٣) : (تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) [الأنعام : ١٥٤] وقوله : [البسيط]
٣٢٧ ـ من يعن بالحقّ لا ينطق بما سفه |
|
ولا يحد عن سبيل الحمد والكرم (٤) |
أي : الذي هو أحسن ، وبما هو سفه ، وتكون «ما» على هذا بدلا من «مثلا» كأنّه قيل : مثلا الذي هو بعوضة.
قال النّحّاس (٥) : «والحذف في «ما» أقبح منه في «الذي» لأن «الذي» إنّما له وجه واحد ، والاسم معه أطول».
والثاني : أن تجعل «ما» زائدة ، أو صفة ، وتكون «هو بعوضة» جملة كالمفسّرة لما انطوى عليه الكلام.
__________________
(١) في أ : مقدرة.
(٢) وقرأ بها «قطرب». انظر الكشاف : ١ / ١١٥ ، وقال الزمخشري : «وهذه القراءة تعزى إلى رؤبة بن العجاج ، وهو أمضغ العرب للشيخ والقيصوم ، والمشهود له بالفصاحة ، وكانوا يشبهون به الحسن ...».
وانظر البحر المحيط : ١ / ٢٦٧ ، والدر المصون : ١ / ١٦٤.
(٣) ستأتي في سورة الأنعام آية (١٥٤).
(٤) ينظر أوضح المسالك : ١ / ١٦٨ ، وتخليص الشواهد : ص ١٦٠ ، والدرر : ١ / ٣٠٠ ، وشرح التصريح : ١ / ١٤٤ ، والمقاصد النحوية : ١ / ٤٤٦ ، وشرح الأشموني : ١ / ٧٨ ، وهمع الهوامع : ١ / ٩٠ ، الدر المصون : ١ / ١٦٤.
(٥) أحمد بن محمد بن إسماعيل المرادي المصري ، أبو جعفر النحاس : مفسر ، أديب. مولده بمصر ، ووفاته بمصر أيضا سنة ٣٣٨ ه ، كان من نظراء نفطويه وابن الأنباري ، زار العراق واجتمع بعلمائه ، من مصنفاته : «تفسير القرآن» و «إعراب القرآن» و «ناسخ القرآن ومنسوخه» و «شرح المعلقات السبع». ينظر الأعلام : ١ / ٢٠٨ ، البداية والنهاية : ١١ / ٢٢٢ ، إنباه الرواة : ١ / ١٠١.