«مثلا» مفعولا و «ما» زائدة.
وقال أبو مسلم الأصفهاني : «معاذ الله أن يكون في القرآن زيادة».
وقال ابن الخطيب (١) : والأصح قول أبي مسلم ؛ لأن الله ـ تعالى ـ وصف القرآن بكونه: هدى وبيانا ، وكونه لغوا ينافي ذلك ، فعلى هذا يكون «ما» صفة للنكرة قبلها ، لتزداد النكرة اتساعا. ونظيره قولهم : «لأمر مّا جدع قصير أنفه» ، وقول امرىء القيس : [المديد]
٣٢٥ ـ وحديث الرّكب يوم هنا |
|
وحديث مّا على قصره (٢) |
وقال أبو البقاء : وقيل : «ما» نكرة موصوفة ، ولم يجعل بعوضة صفتها ، بل جعلها بدلا منها ، وفيه نظر ؛ إذ يحتاج أن يقدّر صفة محذوفة ولا ضرورة إلى ذلك ، فكان الأولى أن يجعل بعوضة صفتها بمعنى أنّه وصفها بالجنس المنكّر لإبهامه ، فهي في معنى «قليل» ، وإليه ذهب الفرّاء والزّجّاج وثعلب ، وتكون «ما» وصفتها حينئذ بدلا من «مثلا» و «بعوضة» بدلا من «ما» ، أو عطف بيان لها ، إن قيل : «ما» صفة ل «مثلا» ، أو نعت ل «ما» إن قيل : إنّها بدل من «مثلا» كما تقدّم في قول الفرّاء ، وبدل من «مثلا» أو عطف بيان له إن قيل : إن «ما» زائدة.
وقيل : «بعوضة» هو المفعول ، و «مثلا» نصب على الحال قدّم على النكرة.
وقيل : نصب على إسقاط الخافض ، التقدير : ما بين بعوضة ، فلمّا حذفت «بين» أعربت «بعوضة» بإعرابها ، وتكون الفاء في قوله : «فما فوقها» بمعنى إلى ، أي : إلى ما فوقها ، ويعزى هذا للكسائي والفرّاء وغيرهم من الكوفيين ؛ وأنشدوا : [البسيط]
٣٢٦ ـ يا أحسن النّاس ما قرنا إلى قدم |
|
ولا حبال محبّ واصل تصل (٣) |
أي : ما بين قرن.
وحكوا : «له عشرون ما ناقة فجملا» ، وعلى القول الثّاني يكون «مثلا» مفعولا أوّل ، و «ما» تحتمل الوجهين المتقدمين ، و «بعوضة» مفعول ثان.
وقيل : بعوضة هي المفعول الأول ، و «مثلا» هو الثّاني ، ولكنّه قدّم.
وتلخّص مما تقدّم أنّ في «ما» ثلاثة أوجه :
زائدة ، صفة لما قبلها ، نكرة موصوفة ، وأنّ في «مثلا» ثلاثة أيضا :
__________________
(١) ينظر الرازي : ٢ / ١٢٤.
(٢) ينظر ديوانه : (١٠٣) ، والدر المصون : ١ / ١٦٣.
(٣) ينظر البيت في خزانة الأدب : ١١ / ٧ ، والدرر : ٦ / ٨٣ ، وشرح شواهد المغني : ١ / ٤٦٤ ، مغني اللبيب : ١ / ١٦٢٠ ، همع الهوامع : ٢ / ١٣١ ، الدر المصون : ١ / ١٦٣.